وبذلك يظهر أنّ ما أفاده صاحب المنار في هذا المقام غير سديد حيث قال : إنّه قد علم من القصة أنّ هذه المرأة كانت عازمة على ما طلبته طلباً جازماً مصرّة عليه ليس عندها أدنى تردّد فيه ولا مانع منه يعارض المقتضى له ، فإذاً لا يصح أن يقال : إنّها همّت به مطلقاً إذ الهم مقاربة الفعل المتردد فيه. (١)
أقول : قد عرفت دافع التكرار فلا نعيده ، بقي الكلام فيما أفاده في تفسير الهم بأنّه عبارة «عن مقاربة الفعل المتردّد فيه» ولا يخفى أنّه لا يصح في قوله سبحانه : (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) (٢) ، أي إخراج الرسول من مكة ، فهم كانوا جازمين بذلك ، وقد تآمروا عليه في ليلة خاصة معروفة في السيرة والتاريخ ، كما لا يصح في قوله سبحانه : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) (٣) ، حيث حاول المنافقون أن ينفروا بعير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في العقبة في منصرفه من غزوة تبوك.
* السؤال الثاني
إنّ تفسير البرهان بالعصمة لا يتناسب مع سائر استعمالاته في القرآن مثلاً البرهان في قوله سبحانه : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) (٤) عبارة عن معاجز موسى من العصا واليد البيضاء ، وعلى ذلك فيجب أن يفسر البرهان بشيء ينطبق على الإعجاز لا العصمة التي هي من مقولة العلم.
والجواب : انّ البرهان بمعنى الحجة وهي تنطبق تارة على المعجزة وأُخرى على العلم المكشوف واليقين المشهود الذي يصون الإنسان عن اقتراف المعاصي ،
__________________
(١). تفسير المنار : ١٢ / ٢٨٦.
(٢). التوبة : ١٣.
(٣). التوبة : ٧٤.
(٤). القصص : ٣٢.