وقد سبق منا أنّ العصمة (١) لا تسلب القدرة ، فهي حجة للنبي في آجله وعاجله ودليل في حياته إلى سعادته.
* السؤال الثالث
إنّ قوله سبحانه : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) ظاهر في أنّ (السُّوءَ) غير (الْفَحْشاءَ) فلو فسر قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) بالعزم على المعصية يلزم كونهما بمعنى واحد وهو خلاف الظاهر.
والجواب : انّ المراد من (السُّوءَ) هو الهم والعزم ، والمراد من (الْفَحْشاءَ) هو نفس العمل ، فالله سبحانه صرف ببركة العصمة ـ نفس الهم ونفس الاقتراف ـ كلا الأمرين.
قال العلّامة الطباطبائي : الأنسب أنّ المراد بالسوء هو الهم بها والميل إليها ، كما أنّ المراد بالفحشاء اقتراف الفاحشة وهي الزنا ، ثمّ قال : ومن لطيف الإشارة ما في قوله : (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) حيث جعل السوء والفحشاء مصروفين عنه لا هو مصروفاً عنهما ، لما في الثاني من الدلالة على أنّه كان فيه ما يقتضي اقترافه لهما المحوج إلى صرفه عن ذلك ، وهو ينافي شهادته تعالى بأنّه من عباده المخلصين ، وهم الذين أخلصهم الله لنفسه فلا يشاركهم فيه شيء ، ولا يطيعون غيره من تسويل شيطان أو تزيين نفس أو أيّ داع من دون الله سبحانه.
ثمّ قال : وقوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) في مقام التعليل لقوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) ، والمعنى عاملنا يوسف كذلك ، لأنّه من عبادنا المخلصين ، ويظهر من الآية انّ من شأن المخلصين أن يروا برهان ربّهم
__________________
(١). راجع الجزء الرابع من مفاهيم القرآن : ٤٠١ ـ ٤٠٥.