وإنّ الله سبحانه يصرف كل سوء وفحشاء عنهم فلا يقترفون معصيته ولا يهمون بها بما يريهم الله من برهانه ، وهذه هي العصمة الإلهية. (١)
* السؤال الرابع
لو كان المراد من (بُرْهانَ رَبِّهِ) هو العصمة ، فلما ذا قال سبحانه : (رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، فإنّ هذه الكلمة تناسب الأشياء المحسوسة كالمعاجز والكرامات لا العصمة التي هي علم قاهر لا يغلب ويصون صاحبه عن اقتراف المعاصي.
أقول : إنّ الرؤية كما تستعمل في الرؤية الحسية والرؤية بالأبصار ، تستعمل أيضاً في الإدراك القلبي والرؤية بعين الفؤاد قال سبحانه : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٢) ، وقوله سبحانه : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (٣) ، وقوله سبحانه : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤) ، وهذه الآيات ونظائرها تشهد بوضوح بأنّ الرؤية تستعمل في الإدراك القلبي والاستشعار الباطني.
وعلى ذلك فيوسف الصديق لمّا وقع مقابل ذلك المشهد المغري ، الذي يسلب اللب والعقل عن البشر ، كان المتوقع بحكم كونه بشراً ، الميل إلى المخالطة معها والعزم على الإتيان بالمعصية ، ولكنّه لما أدرك بالعلم القاطع أثر تلك المعصية صانه ذلك عن أي عزم وهمّ بالمخالطة.
هذا هو المعنى المختار في الآية ، وبذلك تظهر نزاهة يوسف عن أي هم
__________________
(١). الميزان : ١١ / ١٤٢.
(٢). النجم : ١١.
(٣). فاطر : ٨.
(٤). الأعراف : ١٤٩.