ج. ما تقدم من أنّه سبحانه بدأ كلامه في هذه الآية بلفظة (وَكَذلِكَ) ، أي كما أوحينا إلى من تقدّم من الأنبياء كذلك أوحينا إليك بإحدى هذه الطرق (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) ووجه الاشتراك بينه وبين النبيين ، هو الوحي المتجلّي في نبينا بالقرآن وفي غيره بوجه آخر.
كل ذلك يؤيد أنّ المراد منه هو القرآن الملقى إليه ، نعم وردت في بعض الروايات أنّ المراد منه هو «روح القدس» ولكنه لا ينطبق على ظاهر الآية ، لأنّ «الروح» بحكم كونه مفعولاً ل (أَوْحَيْنا) يجب أن يكون شيئاً قابلاً للوحي حتى يكون «موحًى» وروح القدس ليس موحًى ، بل هو الموحي بالكسر ، فكيف يمكن أن يكون مفعولاً ل (أَوْحَيْنا) ، ولأجله يجب تأويل الروايات إن صح اسنادها.
الثاني : انّ هيئة (ما كنت) أو (ما كان) تستعمل في نفي الإمكان والشأن قال سبحانه : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (١) ، وقال عزّ اسمه : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (٢). وقال تعالى حاكياً عن بلقيس : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) (٣).
وعلى ضوء هذا الأصل يكون مفاد قوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) انّه لو لا الوحي ما كان من شأنك أن تدري الكتاب ولا الإيمان ، فإن وقفت عليهما فإنّما هو بفضل الوحي وكرامته.
الثالث : انّ ظاهر الآية أن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم كان فاقداً للعلم بالكتاب والدراية للإيمان ، وإنّما حصلت الدراية بهما في ظل الوحي وفضله ، فيجب إمعان
__________________
(١). آل عمران : ١٤٥.
(٢). التوبة : ١٢٢.
(٣). النمل : ٣٢.