الاسم عينا ليست بزائدة جازت إمالَتُها وحَسُنَتْ فيها إذا كان انقلابُها عن الياء بدلالة قولهم لَهْىَ أبُوك وظهورِ الياء لَمَّا قُلبتْ إلى موضع اللام فإذا لم تَخْلُ الألفُ من الوجهين اللذين ذكرنا كان جوازُ الإمالةِ فيه على ما رأينا عُلِمَتْ صِحتهُ فإن ثَبَتَتْ به قراءةٌ فهذه جهةُ جوازِها إن شاء الله. قال أبو إسحق وأما الرحمن الرحيم فالرَّحْمُنُ اسمُ اللهِ خاصةً لا يقال لغير الله رَحْمنُ ومعناه المبالغ في الرحمة أرحم الراحمين وفَعْلاَنُ من بناء المبالغة تقول للشديد الامتلاء ملآنُ وللشديد الشِّبَع شَبعْانُ وروى عن أحمد بن يحيى أنه قال هو عِبْراني وهذا مرغوب عنه ولم يحك هذا أبو إسحاق في كتابه قال والرحيم هو اسم الفاعل من رَحِمَ فهو رَحِيمٌ وهو أيضاً للمبالغة. قال غيره : أصلُ الرحمة النعمةُ من قوله : " هذا رحمةٌ من رَبيِّ " أي نِعْمة وقد يقال في قلب فلان رحمةٌ لفلان على معنى الرِّقَّةِ وليس بأصل ويَدُلُّك على أن أصلَه النعمة دون الرَّقَّة قولُهم رَحِمَهُ الطبيبُ بأن استقصَى علاجَه أي أحسن إليه بذلك وأنعم عليه وإن كان قد آلمه بالبَطِّ وما جرى مجراه من الجَبْرِ وغيره والصفتانِ جميعا من الرحمة وهما للمبالغة إلا أن فَعْلانَ أشَدُّ مبالغةً عندهم من فعيل كذا قال الزجاج وحقيقةُ الرحمةِ الأنعامُ على المحتاج يدل على ذلك أن انسانا لو أهدي إلى مَلِكٍ جوهرا لم يكن ذلك رحمةً منه وإن كان نعمةً يستحق بها المكأفاة والشُّكْرَ وإنما ذُكِرتِ الصفتان جميعا للمبالغة في وصف الله تعالى بالرحمة ليُدَلَّ بذلك أن نِعَمَه على عباده أكثر وأعظم من كل ما يجوز أن يُنْعِمَ به سواه وأنه قد أنعم بما لا يقدر أحدٌ أن يُنْعم بمثله ويقال لم قَدَّمِ ذِكْرَ الرحمنِ وهو أشدُّ مبالغة وإنما يبدأ في نحو هذا بالأقل ثم يُتْبَعُ الأكثر كقولهم فلانٌ جوادٌ يُعْطِى العَشَراتِ والمِئينَ والألُوفَ والجواب في ذلك أنه بُدِئَ بذكر الرحمن لأنه صار كالعلم إذا كان لا يوصف به إلا اللهُ جَلَّ وعز وحُكَّمُ الأَعْلامِ وما كان من الأسماء أعرفَ أن يُبْدأ به ثم يتبعَ الأنَكْرَ وما كان في التعريف أنقصَ هذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين فجاء على منهاج كلام العرب وقيل الرحمنُ صفة لله تعالى وجل وعز قبل مجيء الإسلام وأنشدوا لبعض شعراء الجاهلية :