وكان هذا الموضع ملجأ للشيعة منذ انشأت فيه العمارة الاُولى على مرقد الامام أمير المؤمنين عليهالسلام ، لكن حيث لم تأمن الشيعة على نفوسها من تحكمات الأمويّين والعباسيين ، ولم يستطيعوا بث علومهم ورواياتهم كان الفقهاء والمحدّثون لا يتجاهرون بشيء مما عندهم ، وكانوا متبددين حتّى عصر الشيخ الطوسي والى أيّامه. وبعد هجرته انتظم الوضع الدارسي ، وتشكلت الحلقات ... ) (١).
( وقد تخرّج منها خلال هذه القرون المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين العلم وأعاظم الفقهاء ، وكبار الفلاسفة ، ونوابغ المتكمين ، وأفاضل المفسرين ، وأجلاء اللغويين ، وغيرهم ممن خبروا العلوم الاسلامية بأنواعها ، وبرعوا فيها ايّما براعة ، وليس أدل على ذلك من آثارهم المهمّة التي هي في طليعة التراث الاسلامي ، ولم تزل زاهية حتّى هذا اليوم ، يرتحل إليها رواد العلوم والمعارف من سائر الأقطار والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة وعيونها الصافية ... ) (٢).
وكان المنهاج الدراسي العلمي عند الامامية الى قبل الهجمة الاستعمارية الكافرة على النجف الأشرف التي شهدت غاية عنفها من سنة ١٩٦٩ م وما زالت المعركة حامية الوطيس ـ ان يبدأ الدراس للعلوم الاسلامية دراساته في احدى الحوزات العلمية المبثوثة في كثير من بلدان الشيعة حتّى اذا انتهى من مراحله الاُولى والمتوسطة فانّه يلزمه الهجرة الى النجف الأشرف ليكمل دراسته وتربيته العلمية ، لما جمعت من فحول علمائها وكبار مجتهدي الامامية ، والمدارس ودور السكن للطلاب والعلماء وغير ذلك من الوسائل اللازمة لعيش العلماء والطلاب (٣).
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق : ص (و) ـ (ز).
(٣) لقد كانت مهبط الشيعة وعاصمة العلم ، ومقرّ كبار العلماء ، كما كانت النجف تضم أكبر حورزة علمية اسلامية في العالم الاسلامي ، ولكنّ الكفّار سعوا الى تفتيت تلك العاصمة الطاهرة ، فضربوها بشتى الوسائل ، وكادوا ينجحوا اخيراً ويصلوا الى اُمنيتهم الشيطانية على يد المجرم صدام التكريتي عندما ضرب هذه العاصمة المقدسة بأقوى ضربات الكفار بما عمله من المصائب التي تقطع الاحشاء والقلوب مع آية الله العظمى المرحوم الامام السيد محسن الحكيم الى ان ذهب الى ربّه شاكياً ما لاقاه من محن وخطوب.