السابع : ابن أبي الحديد في الشرح قال : قال أبو جعفر الطبري وروى سعيد بن جبير قال : كان ابن عبّاس رحمهالله يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ثمّ يبكي حتّى تبلّ دموعه الحصباء ، فقلنا له : وما يوم الخميس؟ قال : يوم اشتدّ برسول الله صلىاللهعليهوآله وجعه فقال : ائتوني باللّوح والدّواة ـ أو قال ـ بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلّون بعدي أبدا ، فتنازعوا فقال : اخرجوا لا ينبغي عند نبيّ أن يتنازع.
قالوا : ما شأنه أهجر استفهموه ، فذهبوا يعيدون عليه فقال : دعوني فما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه ، ثمّ أوصى بثلاث قال : اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد ممّا كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة عمدا أو قالها ونسيتها (١).
الثامن : ابن أبي الحديد قال : وكان في ألفاظ عمر وأخلاقه جفاء وعنجهيّة ظاهرة يحسب لها السامع أنّه أراد بها ما لم يكن قد أراد ، ويتوهّم من يحكي له أنّه قصد بها ظاهرا ما لم يقصد ، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها ، ولكنّه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ولم يتحفّظ منها ، وكان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض ، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك (٢).
قال : وما روي من قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه قال : اعلم أنّ هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات كثيرة كان رضى الله عنه يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلظ الطّينة وجفاء الطبيعة ولا حيلة له فيها ، لأنّه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها ولا ريب عندنا أنّه كان يتعاطى أن يتلطّف وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة فينزع به الطبع الجاسي والغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات ولا يقصد بها شرّا ولا يريد به ذمّا ولا تخطئة كما قدّمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله وكاللّفظات التي قالها عام الحديبية وغير ذلك ، والله تعالى لا يجازي المكلّف إلّا بما نواه ، ولقد كانت نيّته من أطهر النيّات وأخلصها لله تعالى (٣).
قال مؤلّف هذا الكتاب : لقد غلا ابن أبي الحديد في عمر بن الخطّاب وتعصّب فيه أتمّ التعصّب وخرج عن مذهب الاعتزال من أنّ فعال العباد منهم لا من الله ودخل في مذهب المجبرة أنّ العبد لا فعل له ولا قدرة له على فعله ، وعندهم أنّ المكلّف لا اختيار له في أفعاله كالحجر إن حرّكته تحرّك ، وإنّما قلنا ذلك في ابن أبي الحديد لأنّه قال في الاعتذار عن عمر في قوله لرسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٣٠.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨٠.
(٣) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٧.