الطمأنينة وقوّة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب أيضا.
ولقد روى البغوي بطرقه على هامش هذه الآيات وبخاصة على هامش الآيتين [٥٨ و ٥٩] حديثين عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء في أحدهما : «لو أنكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا». وجاء في ثانيهما عن ابن مسعود : «أيّها الناس ليس من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم من النار إلّا وقد أمرتكم به وليس من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلّا وقد نهيتكم عنه. وإنّ الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها. فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب. ولا يحملنّكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنّه لا يدرك ما عند الله إلّا بطاعته». والحديث الأول من مرويات الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه (١). وواضح من روح الحديثين وبخاصة الأول أنهما في صدد تحذير المسلمين من التماس الرزق من طريق المعاصي إذا ما أبطأ عليهم وفي صدد تطمينهم بأن اعتمادهم وتوكّلهم على الله هما الأولى والأجدر بهم وبذلك يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)) [٦١ ـ ٦٤]
(١) الحيوان : الحياة.
__________________
(١) انظر التاج ج ٥ ص ١٨٧.