ان هذا المشهد بين يعقوب وبنيه في آخر لحظة من حياته لمشهد عظيم الدلالة ، قوي الايحاء عميق التأثير ، ميت يحتضر فما هي القضية التي تشغل باله في ساعة الاحتضار.
ما هو هذا الشاغل الذي يقلق باله في سكرات الموت ، ما هي الثروة التي يريد توريثها لفلذات قلبه ، ويحرص على تسليمها لهم قبل أن يلفظ أنفاسه الاخيرة؟
انها العقيدة الصحيحة ، هي التركة ، هي القضية الكبرى ، وهي شغله الشاغل عن كل ما يهمه في تحقيقه قبل أن يصفر القطار وينتقل من هذه الدار الى دار القرار (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) هذا هو الامر الذي دعاه لجمع أولاده وتوثيقه منهم على الحرس بتمسكهم على هذه الثروة التي يريد أن يخلفها لهم ويطمئن قلبه باحرازها لهم قبل موته. ويأتي الجواب من فلذة الاكباد : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ) الحمد لله لقد اطمئن القلب وسكن الفؤاد وهدأ البال واحرز كل ما كان يهمه من احرازه لاولاده قبل آخر لحظة من حياته. وهنا تنقطع كل حجة وتضليل عن أهل النفاق والتشكيك فالحمد لله لقد تم المراد.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤))
فلكل حسابه وطريقه ، ولكل عنوانه وصفته ، اولئك فئة من المتقين ، وتلك زمرة من المنافقين ، وسيجازى كلا بعمله ، وهذا هو التصور اللائق بالحق والعدل والانصاف من خالق العباد.
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)