(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤))
فانهم كانوا يظهرون الايمان لسلمان وابي ذر والمقداد وعمار. والمكر السيء براعة عندهم وهو في حقيقته ضعف وخسة. فالقوي هو الذي لا يخادع ولا يمالىء ولا يغامز في الخفاء وهؤلاء المنافقون الذين كانوا يجبنون عن المواجهة ويتظاهرون بالايمان عند لقاء المؤمنين ليتقوا الأذى ، وليتخذوا هذا الستار وسيلة لدفع الأذى عنهم من أهل الحق والعدل. وكانوا أداة لتمزيق الصف الاسلامي. وما يكاد القرآن يحكي فعلتهم وقولتهم حتى يصب عليهم من التهديد ما يهد الرواسي (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) الخ. واليد الجبارة تتلقفهم في نهاية مصيرهم ، كالفئران التي يتلقفها الفخ ويقبض على خناقها.
والكلمة الاخيرة التي تصور حقيقة حالهم ومدى خسرانهم ما قاله عزوجل :
(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦))
كانوا يملكون الهدى لو أرادوا. وكان الهدى مبذولا وكان في متناول أيديهم ولكنهم باعوه وبدلوه بالضلالة. فما كان اخسر من صفقتهم وأقبح من تجارتهم باختيارهم. فقد بدلوا الخالق بالمخلوق ، والجنة بالنار ، والنعيم بالعذاب فبئس ما اختاروا.
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧))
انهم لم يعرضوا عن الهدى ابتداء ولم يصموا آذانهم عن السماع وعيونهم عن الرؤية ، وقلوبهم عن الادراك كما صنع الذين كفروا ، ولكنهم استحبوا العمى على الهدى ، بعد ما استوضحوه