وتبينوه. لقد استوقدوا النار فلما أضاءت لهم لم ينتفعوا بنورها ولم ينتفعوا بمنافعها بل أهملوها حتى انطفأت وأصبحوا في الظلام الحالك ، فقد عطلوا حواسهم من الانتفاع بما منحهم الخالق الكريم من نعمه وأظهر لهم من أدلته وبراهينه ليستدلوا بها على خالقهم ويسعدوا في طاعته ويعيشوا عيشة السعداء ويموتوا ميتة الشهداء فيفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة ولكن اعرضوا عن جميع ذلك فخسروا السعادة والراحة في الدنيا والآخرة.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨))
وانما شبههم الله بالصم لأنهم لم يحسنوا الاصغاء الى أدلة الله تعالى فكأنهم صم. واذا لم يقروا بالله وبرسوله. فكأنهم بكم واذا لم ينظروا في ملكوت السموات والارض فكأنهم عمي ولم تصل اليهم منفعة هذه الاعضاء فكأنهم ليس لهم هذه الاعضاء والحواس.
وهذا يدل على أن معنى الختم والطبع ليس على وجه الحيلولة بينهم وبين الايمان لانه جعل الفهم بالكفر واستثقالهم للحق بمنزلة الصم والبكم والعمى مع صحة حواسهم. وكذلك قوله : طبع الله على قلوبهم وأضلهم وأصمهم وأعمى أبصارهم وأزاغ قلوبهم فان جميع ذلك أخبار عما أحدثوه عند امتحان الله اياهم وأمرهم بالطاعة والايمان فأبوا وامتنعوا عن الاذعان. لا انه فعل بهم ما منعهم به عن الايمان وهذا كما قيل : (حبك للشيء يعميك ويصمك) وقال تعالى (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩))
ان هؤلاء من المنافقين فيما هم فيه من الكفر والنفاق كانوا يخافون ان يعثر النبي ص وآله على كفرهم ونفاقهم فيقتلهم