والاستعدادات المذخورة كفاءات لما في هذه الارض من قوى وطاقات ، وكنوز وخامات ، ووهبه من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الالهية.
اذن فهنالك وحدة تناسق بين النواميس التي تحكم الارض ـ وتحكم الكون كله ـ والنواميس التي تحكم هذا المخلوق وقواه وطاقاته ، كي لا يقع التصادم بين هذه النواميس وتلك ، وكي لا تتحطم طاقة الانسان على صخرة الكون الضخمة.
اذن فهذه منزلة عظيمة ، منزلة هذا الانسان ، في نظام الوجود على هذه الارض الفسيحة وهو التكريم الذي شاءه له خالقه الكريم.
هذا كله بعض ايحاء التعبير العلوي الجليل : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ... حين تتملاه اليوم بالحس واليقظة ، والبصيرة المفتوحة ، ورؤية ماتم في الارض على يد هذا الكائن المستخلف في هذا الملك العريض : «(قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ...)
ويوحي قول الملائكة هذا بانه كان لديهم من شواهد الحال ، أو من تجارب سابقة في الارض أو من الهام البصيرة أو ما يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق ، أو من مقتضيات حياته على الارض. وما يجعلهم يعرفونه أو ما يتوقعون انه سيفسد في الارض ، وانه سيسفك الدماء). ولكن قد خفي عليهم حكمة المشيئة العليا ، في بناء هذه الارض وعمارتها ، وفي تنمية الحياة وتنويعها ، وفي تحقيق ارادة الخالق وناموس الوجود في تطويرها وترقيتها وتعديلها على يد هذا الانسان الذي جعله الله تعالى خليفته في ارضه.
وهذا الانسان هو الذي يفسد أحيانا في الارض ويسفك الدماء فيها. وعصى خالقه العظيم وأطاع عدوه الشيطان الرجيم ، فبئس البديل وبئس القرين.
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١))