البيان : هذه حملة رهيبة ـ من خالق الكون ـ يرجف لها كل قلب فيه ذرة من الحياة والايمان ، ولكن الاسلام ـ مع هذا ـ يفتح باب التوبة والانابة والرجوع ، فلا يغلقه في وجه ضال يريد الهداية ولا في وجه منحرف يريد الاستقامة ، ولا يحجبه حاجب ولا تبعده مسافة ، وما عليه الا الاقبال بعد الادبار ، والتوبة بعد العصيان ، والدخول لحصن الله الذي من دخله كان من الآمنين.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩))
اذن فالويل واللعنة والخسران للذين لا يتوبون ولا يرجعون ، ويصرون على الكفر والطغيان حتى يأتيهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ، ويسد عليهم باب التوبة والاخذ بالنواصي والاعناق ، ولن ينجيهم ـ حينئذ ملء الارض ذهبا ليفتدوا به ، فقد افلتت الفرصة ولزمت الغصة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١))
البيان : هكذا يحسم السياق القضية بهذا التقرير المروع المفزع ، وبهذا التأكيد الواضح الذي لا يدع للخداع والغرور مجالا ، فالسعيد من سارع للتوبة قبل أن يأتيه الموت بغتة فينقطع الامل.
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))
البيان : لقد فقه أهل الايمان الصحيح هذا المعنى فاسرعوا الى التجارة مع الله التي لا تبور وأرباحها التي لا تقدر بمقدار وقد تصل الى سبعمائة ضعف وأزيد ، فبذلوا أطيب ما لديهم فاحرزوا خير الدنيا والآخرة.