(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤))
البيان : لقد كان اليهود يتصيدون كل حجة وكل شبهة ، وكل حيلة ، لينفذوا منها الى الطعن في صحة الرسالة المحمدية ، والى البلبلة في أفكار البسطاء.
فلما قال القرآن : انه مصدق لما في التوراة برزوا يقولون : فما بال القرآن يحلل من الاطعمة ما حرم على بني اسرائيل ، وذكروا لحوم الابل وألبانها ، وهناك محرمات أخرى أحلها الله للمسلمين.
وهنا يردهم القرآن الى الحقيقة التاريخية التي يتجاهلونها للتشكيك في صحة ما جاء في القرآن المجيد ، من انه مصدق للتوراة ، وانه مع هذا أحل للمسلمين بعض ما كان محرما على بني اسرائيل ، هذه الحقيقة هي أن كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل ـ الا ما حرم اسرائيل على نفسه ـ اسرائيل هو يعقوب (ع) ـ ومحصل المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني اسرائيل من قبل التوراة ، وتحرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم ، ولم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الذي حرم اسرائيل على نفسه ، كما في قوله عزوجل :
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ. وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) الانعام
وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم ، وليبين لهم أن هذه المطاعم الاصل فيها الحل ، وانها انما حرمت عليهم خاصة دون غيرهم.
فاذا أحلها الله تعالى للمسلمين فهو على الاصل الذي لا يثير