العربيان في يثرب يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة ، وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا.
ومن ثم لم تجد اليهود مجالها الصالح الذي لا تعمل الا فيه ، ولا تعيش الا معه ، فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالاسلام ، وما كان الا الاسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة ، وما كان الا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله اخوانا.
ويستحيل ان تجتمع القلوب حقيقة الا في الحب في الله عزوجل التي تصغر وتذوب في جانبها جميع الاحقاد التاريخية ، والثارات القبلية ، والاطماع الشخصية ، ويتجمع الصف تحت لواء الله عزوجل ، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فلا بد من جماعة تدعو الى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا بد من سلطة لهذا الامر لان هذه المهمة لا يقوم بها الا ذو سلطان ونفوذ ، يرتبط بحبل الله ، وحبل الاخوة في الله. سلطة تقوم على هاتين الركيزتين مجتمعتين لتحقيق منهج الله في حياة البشر ، وتحقيق هذا المنهج يقتضي (دعوة) الى الخير يعرفها الناس بحقيقة هذا المنهج.
ومن ثم فلا بد من جماعة تتلاقى على هاتين الركيزتين : الايمان بالله والاخوة في الله. ان قيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الالهي ذاته ، فهذه الجماعة على هذا النمط تكون الوسط المستقيم الخالي من الانحراف الى سائر الاطراف من افراط وتفريط ..
لان التصور الاسلامي عن الوجود والحياة والقيم والاعمال والاحداث والاشياء والاشخاص يختلف في كله عن التصورات الجاهلية ـ السابقة واللاحقة ـ اختلافا جوهريا أصيلا.