وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧))
البيان : ان شطر الآية الاولى في هذه المجموعة يضع على كاهل الجماعة المسلمة في الارض واجبا ثقيلا بقدر ما يكرم هذه الجماعة ويرفع مقامها ، ويفردها بمكان خاص ، لا تبلغ اليه جماعة اخرى.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، ان التعبير بكلمة (أُخْرِجَتْ) المبني لغير الفاعل ، تعبير يلفت النظر ، وهو يكاد يشي باليد المدبرة اللطيفة ، تخرج هذه الامة اخراجا وتدفعها الى الظهور دفعا. لتكون طليعة ، ولتكون لها القيادة ، بما انها هي خير امة ، والله يريد أن تكون القيادة للخير ، وفي أول مقتضيات هذا المكان ، ان تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد ، وان تكون لها القوة التي تمكنها من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهي خير أمة أخرجت للناس.
واقامتها على المعروف هو النهوض بتكاليف الامة الخيرة ، بكل ماوراء هذه التكاليف من متاعب ، ولتحقيق الصورة التي يحب الله أن تكون عليها الحياة.
فلا بد من الايمان بالله ليوضع الميزان الصحيح للقيم ، والتعريف الصحيح للمعروف والمنكر ، وهذا يستند الى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الاجيال.
وهذا ما يحققه الايمان باقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه ، وللانسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون ، ومن هذا التصور العام تنبثق القواعد الاخلاقية ، وفي القرآن المجيد مواضع كثيرة تقرر هذه الحقيقة ، تأتي ان شاء الله في مواضعها.