تخلخلت وفشلت وتنازعت في الامر ، وأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله ص وآله. وأنفسكم هي التي خالجتها الاطماع والهواجس. وأنفسكم هي التي عصت أمر رسول الله ص وآله وخطته للمعركة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فمن مقتضى قدرته أن تنفذ سنته ، وأن يحكم ناموسه ، وان تمضي الامور وفق حكمه وارادته. وهذا الذي وقع في غزوة أحد مثل لهذا نقوله عن التصور الاسلامي الشامل الكامل ، فقد عرف الله المسلمين سنته وشرطه في النصر والهزيمة ، فخالفوا هم عن سنته وشرطه.
ولكن الامر لم ينته عند هذا الحد ، فقد كان وراء المخالفة والالم تحقيق قدر الله في تمييز المؤمنين من المنافقين في الصف وتمحيص قلوب المؤمنين وتجلية ما فيها من غبش في التصور.
وعلى هذا الموقف الصلب المكشوف تستريح أقدام المسلمين وتطمئن قلوبهم بلا أرجحة ولا قلق ولا حيرة ، وهم يواجهون قدر الله عزوجل. (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ). لم يقع مصادفة ولا جزافا ، ولم يقع عبثا ولا سدى ، فكل حركة محسوب حسابها في تصميم هذا الكون ومقدر لها علتها ونتائجها وفق السنن والقوانين الثابتة ، التي لا تنخرق ولا تتعطل ولا تحابى تحقق الحكمة الكامنة وراءها ، وتكمل (التصميم) النهائي للكون في مجموعه.
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨))
البيان : فالموت يصيب المجاهد والقاعد ، والشجاع والجبان ، ولا يرده حرص ولا حذر ولا يؤجله جبن ولا قعود ، والواقع هو البرهان الذي لا يقبل المراء ، وهذا الواقع هو الذي يجيبهم به القرآن المجيد ،