تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨))
البيان : متاع قليل ينتهي ويذهب سريعا ويعقبه بلاء لا يزول وعذاب خالد ، فما قيمة هذا المتاع المشوه بذاته فكيف اذا كان يعقبه عما قليل عذاب لا يطاق ولا يحد بحدود. (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) نعيم لا مثيل له في الدنيا أصلا وما يشك أحد يضع ذلك النصيب في كفة ، وهذا النصيب في كفة ، ثم يختار العذاب على النعيم ومع هذا يحتمل ان يكون لديه أدنى رشد أو تمييز او فهم او وعي ، كلا هذا لا يكون أبدا.
ان الله سبحانه في موضع التربية ، وفي مجال اقرار القيم الاساسية في التصور الاسلامي لا يعد المؤمنين بالنصر ، ولا يعدهم بقهر الاعداء ، ولا يعدهم بالتمكين في الارض.
انه يعدهم شيئا واحدا ـ هو أعلا وأسمى من كل ذلك ـ هو (ما عِنْدَ اللهِ) فهذا هو الاصل في هذه الدعوة ، وهذه هي نقطة الانطلاق عند المؤمنين الاحرار أصحاب العقائد الصحيحة ، والقلوب النيرة ، هذه العقيدة : عطاء ووفاء ، واداء فقط ، وبلا مقابل من أعراض هذه الدنيا الزائلة ، والجيفة النتنة.
واذا وقع النصر والتمكين ، فهذا ليس داخل في البيعة التي أعطاها المؤمنون لله ورسوله في جهادهم في سبيله وكفاحهم لاعدائه ، ولذا يقول مولانا امير المؤمنين (ع) :
(كنا نقتل آباءنا واخواننا وما يزيدنا ذلك الا ايمانا وتسليما)
وهكذا ربى الخالق العظيم ، الجماعة المسلمة التي قدر أن يضع في يدها مقاليد الارض وزمام القيادة العليا ، واستحقوا أن يكونوا خلفاءه وسفراءه في أرضه وأوتادا لبلاده. وسلمهم الامانة الكبرى بعد