وبين هذه الارتعاشة ، المنطلقة بالدعاء الخائف الواجف من النار.
ان ادراك الحق الذي في تصميم هذا الكون وفي ظواهره ، معناه ـ عند اولي الالباب ـ ان هناك تقديرا وتدبيرا ، وان هناك حكمة وغاية ، في هذا الكوكب ، ولا بد اذن من حساب ولا بد اذن من جزاء على ما يقوم الناس من أعمال لتحقق فيها الحق والعدل في الجزاء.
والدعاء في مجموعه يمثل الاستجابة الصادقة العميقة ، لايحاء هذا الكون وايقاع الحق الكامن فيه في القلوب السليمة المفتوحة.
وذلك من بدائع التناسق الفني في التعبير القرآني ، وهناك ظاهرة فنية أخرى عند مشهد الفكر والتدبر في خلق السموات والارض ، يناسبه دعاء خاشع عميق النبرات ، (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) انه ليس مجرد الخشوع والارتجاف انما هو (العمل) العمل الايجابي الذي ينشأ عن هذا التلقي ، وعن هذه الاستجابة.
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥))
البيان : هذا هو الطريق ... طريق هذا المنهج الرباني ، الذي قدر الله عزوجل ، أن يكون تحققه في واقع الحياة بالجهد البشري ، وعن طريق هذا الجهد ، وبالقدر الذي يبذله المؤمنون المجاهدون في سبيل الله ابتغاء وجه الله ، يكون الثواب والجزاء في دار الخلود هذه هي طريقة هذا المنهج الالهي في تربية الجماعة المسلمة في هذه الحياة لنيل سعادة الابد.
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ