الصفحتين ـ على هذا النحو ـ كفيلة بان تنشىء التوازن في شعور المسلم كما تنشىء التوازن في النظام الاسلامي ـ السمة الاساسية الاصيلة ـ
فاما حين يجيء المتميعون المعتذرون عن الجهاد في الاسلام. كأن الاسلام في قفص الاتهام وهم يترافعون عن المتهم الفاتك الخطير فيجعلون الامر كله سماحة وسلما واغضاء وعفوا.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣))
البيان : هذه الاحكام تتناول اربع حالات : ثلاث منها من حالات القتل الخطأ ـ وهو الامر المحتمل وقوعه بين المسلمين في دار واحدة ـ دار الاسلام ـ أو في ديار مختلفة بين شتى الاقوام ـ والحالة الرابعة حالة القتل العمد. وهي التي يستبعد السياق القرآني وقوعها ابتداء ، فليس من شأنها ان تقع. اذ ليس في هذه الحياة الدنيا كلها ما يساوي دم مسلم يريقه عمدا.
وليس في ملابسات هذه الحياة الدنيا كلها ما من شأنه ان يوهن من علاقة المسلم بالمسلم الى حد ان يقتله عمدا. وهذه العلاقة التي انشأها الاسلام بين المسلم والمسلم من المتانة. والعمق والضخامة والاعزاز بحيث لا يفترض الاسلام ان تخدش هذا الخدش الخطير ابدا. ومن ثم يبدأ حديته عن احكام القتل الخطأ (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً)
فهذا هو الاحتمال الوحيد في الحس الاسلامي .. وهو الاحتمال الحقيقي في الواقع. فان وجود مسلم الى جوار مسلم مسألة كبيرة. كبيرة جدا. ونعمة عظيمة. عظيمة جدا. ومن العسير تصور ان يقدم