هكذا كما بداكم تعودون. وكما ذرأكم في الارض تحشرون. وكما انطلقتم بارادته من عالم الموت الى عالم الوجود والحياة ، ترجعون اليه ليمض فيكم حكمه ويقضي فيكم قضاءه.
وهكذا في آية واحدة قصيرة يفتح سجل الحياة كلها ويطوي ، وتعرض في ومضه صورة البشرية في قبضه الباري : ينشرها من عمود الموت أول مرة ، ثم يقبضها بيد الموت في الاولى. ثم يحييها كرة أخرى واليه مرجعها في الآخرة ، كما كانت منه نشأتها في الاولى.
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩))
لقد أكثر المفسرون والمتكلمون هنا من الكلام عن خلق الارض والسماء. ويتحدثون عن القبلية والبعدية. ويتحدثون عن الاستواء والتسوية.
وينسون أن (قبل وبعد) اصطلاحان بشريان لا مدلول لهما بالنسبة الى الله تعالى وينسون ان الاستواء والتسوية اصطلاحان لغويان يقربان الى التصور البشري المحدود صورة غير المحدود. ولا يزيدان عن ذلك شيئا.
وما كان الجدال الكلامي ، الذي ثار بين علماء المسلمين حول هذه التعبيرات القرآنية الا آفة من آفات الفلسفة الاغريقية. والمباحث اللاهوتية عند اليهود والنصارى. عند مخالطتها للعقلية العربية الصافية ، وللعقلية الانسانية الناصعة. وما كان لنا نحن اليوم ان نقع في هذه الآفة ، فنفسد جمال العقيدة ، وجمال القرآن المجيد بقضايا علم الكلام
فلنخلص اذن الى ما وراء هذه التعبيرات من حقائق موحية عن