خلق ما في الارض جميعا للانسان ، ودلالة هذه الحقيقة على غاية الوجود الانساني ، وعلى دوره العظيم في الارض وعلى قيمته في ميزان الله تعالى. وما وراء هذا كله من تقرير قيمة الانسان في التصور الاسلامي وفي نظام المجتمع الاسلامي. (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
ان كلمة لكم هنا ذات مدلول عميق ، وذات ايحاء كذلك عميق ، انها قاطعة في أن الله تعالى خلق هذا الانسان لأمر عظيم. خلقه ليكون مستخلفا في أرضه ، مالكا لما فيها ، فاعلا مؤثرا فيها.
انه الكائن الأعلى في هذا الملك العريض ، والسيد الاول في هذا الميراث الواسع ، ودوره في الارض اذن وفي أحداثها وتطوراتها هو الدور الاول.
انه سيد الارض وسيد الآلة. انه ليس عبدا للالة ، كما هو في العالم المادي اليوم ، وليس هو تابعا للتطورات التي تحدثها الآلة في علاقات البشر وأوضاعهم كما يدعي انصار المادية المطموسون ، الذين يحقرون دور الانسان ووضعه ، فيجعلونه تابعا للالة الصماء.
وهو السيد الكريم ، وكل قيمة من القيم المادية لا يجوز ان تطغى على قيمة الانسان ، ولا أن تستذله أو تخضعه أو تستعلى عليه ، وكل هدف ينطوي على تصغير قيمة الانسان مهما يحقق من مزايا مادية ، هو هدف مخالف لغاية الوجود الانساني. فكرامة الانسان أولا واستعلاء الانسان أولا ، ثم تجيء القيم المادية تابعة مسخرة للانسان لا بالعكس.
والنعمة التي يمتن الله تعالى بها على الناس هنا ـ وهو يستنكر كفرهم به ـ ليست مجرد الانعام عليهم بما في الارض جميعا. ولكنها ـ الى ذلك ـ سيادتهم على ما في الارض جميعا. ومنحهم قيمة أعلى من قيم الماديات التي تحويها الارض جميعا ، هي نعمة الاستخلاف