طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤))
البيان : انها عبارات تنشىء صورا متحركة ومشاهد حية ـ على طريقة التعبير القرآنية الفريدة ، ومن وراء القرون يملك قارىء هذه الآيات أن يشهد ـ بعين التصور ـ هؤلاء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن هم يهود ـ على الارجح ـ فالسياق يتحدث عنهم ، وان كان من الجائز أنه يعني كذلك بعض المنافقين في المدينة. وبشهدهم يجيئون للمسلمين فيقولون آمنا ويشهد جعبتهم (الكفر) وهم يدخلون به ويخرجون بينما ألسنتهم تقول غير ما في الجعبة من كفر يحملونه داخلين خارجين. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ).
(لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ).
فهذه السمة ـ سمة سكوت القائمين على أمر الشريعة والعلم الديني عما يقع في المجتمع من اثم وعدوان ، ولذا ترى أن الله تعالى هنا ينحي باللائمة على الربانيين والاحبار الساكتين على المسارعة في الاثم والعدوان وأكل السحت. الذين لا يقومون بحق ما استحفظوا عليه من كتاب الله تعالى ، وانه لصوت النذير لكل أهل دين. فصلاح المجتمع أو فساده رهن بقيام الحفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والامر كما قلنا من قبل في البيان. يقتضي (سلطة) تأمر وتنهي وتدعو الى الخير والصلاح وعدم الفساد في الارض ويوم تفىء الامة المسلمة الى الاسلام ، تؤمن به على حقيقته ، وتقيم حياتها كلها على منهجه وشريعته.