الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))
البيان : من هنا تبدأ الرحلة الكبرى للبشرية. وتمكينها في الارض للقيام بالمهمة التي خلقت لأجلها وهي خلافة الله في ارضه وملكه. والقاء المسؤولية الكبرى على عاتق هذا المخلوق البشرى التي لو كانت السموات والارض والجبال تعقل وخيرت في حملها لاختارت العافية منها ومن الدخول تحت عبثها الثقيل الذي لا تحمله الا ارباب البصائر النيرة والنفوس الصافية. والقلوب الطاهرة التي لا تخدعها الدنيا وزخارفها ولا تعبىء بمصائبها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ٣٣ س ٧٢ ي
ان التصور الاسلامي وحده هو الذي يمضي وراء هذه الجزئيات ليربطها كلها بأصل شامل متناسق ان الله الذي خلق الكون. وهو الذي خلق الانسان. وقد اقتضت مشيئته تعالى وحكمته ان يجعل طبيعة هذا الكون بحيث سمح بنشأة هذا الانسان. واودع الانسان من الاستعدادات ما يسمح له بالتعرف الى بعض نواميس الكون واستخدامها في حاجته. وهذا التناسق الملحوظ هو الجدير بصنعة الله عزوجل. (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).
هذا هو المشهد الاول. وهو مشهد مثير. ومشهد خطير (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) لقد طرد ابليس من الجنة وطرد من رحمة الله. وحقت عليه اللعنة. وكتب عليه الصغار. ولكن الشرير العنيد لا ينسى ان آدم هو سبب الطرد والغضب ولا يستسلم لمصيره البائس دون ان ينتقم لنفسه ممن كان سبب طرده وخروجه من الجنة التي عبد الله فيها ستة آلاف سنة.