ثم قال عزوجل : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) للانذار به والتذكير كتاب للصدع بما فيه من الحق. ولمواجهة الناس. بما لا يوافق أهواءهم. لانه يعارض نظمهم واوضاعهم ومجتمعاتهم.
وهذا الموقف ـ من التحدي للبشر من الله عزوجل ـ ليس مقصورا على ما كان في الجزيرة العربية يومذاك. وما كان في الارض من حولها ـ ان الاسلام مواجهته دائمة لهذه البشرية الى يوم القيامة ، وهو يواجهها اليوم كما واجهها أول مرة ، كلما انحرفت وارتدت الى مثل ما كانت فيه اول مرة ، والبشرية اليوم في موقف كذلك الذي كانت فيه يوم بعث محمد ص وآله من الانحطاط لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين القويم ، وقد انتكست البشرية الى جاهلية شاملة للاصول والفروع والبواطن والظواهر والسطوح والاعماق في العقائد والاخلاق. لقد جاء هذا الدين ليغير وجه العالم وليقيم عالما آخر. يقر فيه سلطان الله وحده ، ويدحض سلطان الطواغيت. جاء هذا الدين ليقيم قاعدة (لا اله الا الله وحده لا شريك له) (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ).
ان مصارع الغابرين خير مذكر وخير منذر ، والقرآن المجيد يستصحب هذه الحقائق فيجعلها مؤثرات موحية ، ومطارق موقظة للقلوب البشرية الغافلة او الجاهلة او المخدوعة. (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) هذه نهاية المعاندين والمنحرفين.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ