لقد أخرجهم الله ـ على يدي نبيهم موسى (ع) ـ من الذل والهوان ليورثهم الارض المقدسة ، وليرفعهم من المهانة والضعة ، وللحرية ثمن ، وللعزة تكاليف ، وللامانة الكبرى التي ناطهم الله بها فدية.
لكنهم لا يريدون أن يؤدوا الثمن ، ولا يريدون أن ينهضوا بالتكاليف ، ولا يريدون أن يدفعوا الفدية ، حتى انهم تركوا مألوف حياتهم الرتيبة الهينة ، وحتى بان غيروا مألوف طعامهم وشرابهم ، وأبوا أن يكيفوا أنفسهم بظروف حياتهم الرتيبة الجديدة ويسيروا في طريق العزة والحرية والكرامة ، انهم يريدون الاطعمة المنوعة التي ألفوها فطلبوا من نبيهم (ع) :
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١))
نعم لقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ، ولم يكن ذلك من الناحية التاريخية ، وانما كان فيما بعد ذلك.
وقد وقع هذا عليهم متأخرا عن عهد موسى (ع) بأجيال ، وانما عجل السياق بذكر ذلك ، لموقفهم من طلب العدس والبصل والثوم والقثاء.
ولم يشهد تاريخ في العالم ما شهده تاريخ بني اسرائيل ، من قسوة وجحود واعتداء وتنكر للهداة ، فقد قتلوا وذبحوا وشردوا ونشروا بالمناشير عددا من أنبيائهم ـ وهي أشنع فعلة تصدر من أمة مع دعاة الحق والاصلاح ـ وقد كفروا أشنع كفر. واعتدوا اشنع اعتداء ،