جبلتها (ثم وليتم بعد ذلك) ومرة أخرى يواجههم بمظهر من مظاهر النكث والنكسة ، والتحلل من العهد والعجز عن الاستمساك به والضعف عن احتمال تكاليفه ، والضعف أمام الهوى أو النفع القريب. فيقول عزوجل :
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))
لقد فصل القرآن حكاية اعتداء اليهود في السبت في موضع آخر يأتي ان شاء الله تعالى.
ولقد طلبوا من نبيهم (ع) أن يكون لهم يوم راحة مقدس ، فجعل الله لهم يوم السبت ، راحة مقدسا لا يعملون فيه للمعاش ، ثم ابتلاهم بعد ذلك بالحيتان فصارت تكثر يوم السبت وتختفي في غيره ، وكان ابتلاء لم تصمد له اليهود ، وكيف تصمد وتدع هذا الصيد القريب يضيع أتتركه وفاء بعهد الله ، واستمساكا بميثاقه ، ان هذا ليس من طبع اليهود.
ومن ثم اعتدوا في السبت ، اعتدوا على طريقة ملتوية ، راحوا يحوطون على الحيتان في يوم السبت ، ويقطعونها عن البحر بحاجز ، ولا يصيدونها حتى اذا انقضى اليوم تقدموا وأخذوها فاستحقوا العقاب ونزول العذاب فقال لهم : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
لقد حق عليهم جزاء النكول عن عهدهم مع الله ، والنكوس عن مقام الانسان ذي الارادة ، فانتكسوا بهذا الى عالم القردة والخنازير. انتكسوا بمجرد تخليهم عن الخصيصة الاولى التي تجعل من الانسان انسانا خصيصة الارادة المستعلية المستمسكة بعهده الله عزوجل.
وليس من الضرورة ان يستحيلوا قردة بأجسامهم فقد استحالوا اليها بأرواحهم وأفكارهم ، وانطباعات الشعور والتفكير ، ومضت هذه