ثم يلتفت الى المسلمين والى البشرية جميعا ، وهو يلعن حقيقتهم وحقيقة أعمالهم (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ).
وقصة شرائهم الحياة الدنيا بالآخرة هنا : هي الدافع لهم على مخالفة ميثاق الله تعالى هو استمساكهم بميثاقهم مع المشركين عبدة الاصنام في حلف يقتضي مخالفة دينهم وكتابهم ، فان انقسامهم فريقين وانضمامهم الى حلفين ، هي خطة اسرائيل التقليدية في امساك العصا من الوسط وضمان صوالح اليهود في النهاية سواء انتصر هذا المعسكر أم ذاك ، وهي خطة من لا يثق بالله تعالى ، ويجعل اعتماده كله على الدهاء والمكر ، ويناقض تكاليف شريعتهم باسم المصلحة ، فلا مصلحة الا في اتباع الدين ، ولا وقاية الا بحفظ عهدهم مع ربهم عزوجل.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧))
ولقد كانت حجة بني اسرائيل في اعراضهم عن الاسلام وابائهم الدخول فيه ان عندهم الكفاية من تعاليم أنبيائهم ، وانهم ماضون على شريعتهم ووصاياهم ، فهنا يفضحهم القرآن ويكشف عن حقيقة موقفهم من أنبيائهم وشرائعهم ووصاياهم ، ويثبت انهم كلما واجهوا الحق انحرفوا عنه بأهوائهم (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ).
ولقد قص الله على المسلمين من أنباء بني اسرائيل في هذا ما يحذرهم من الوقوع في مثله حتى لا تسلب منهم الخلافة كما سلبها الله من بني اسرائيل عند انحرافهم وضلالهم عن الحق المبين. ولكن لم ينفع هذا التذكير والتحذير المسلمين كما انه لم ينتفع به بنو اسرائيل.