رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١) [نوح : ١٠ ـ ١١]. وإقامتهم التوراة والإنجيل أن يؤمنوا بمحمّد وما جاء به ، لأنّهم قد أمروا بذلك في كتابهم.
قوله : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) : أى متّبعة ، يعني من آمن من أهل الكتاب برسول الله وبما جاء به. قال : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٦٦) : يعني من ثبت منهم على اليهوديّة والنصرانيّة.
قوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) : ذكروا عن عائشة أنّها قالت : من زعم أنّ محمّدا نقص شيئا من الوحي لم يخبر به فقد أعظم على الله الفرية ؛ لأنّ الله يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (١).
قوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) : أى فلا يصلون إليك حتّى تبلّغ عن الله الرسالة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٦٧) : وقال في سورة بني إسرائيل : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] أى فلا يصلون إليك حتّى تبلّغ عن الله الرسالة.
وقال الحسن : إنّ رسول الله شكا إلى ربّه ما يلقى من قومه فقال : يا ربّ إنّ قومي خوّفوني فأعطني من قبلك آية أعلم أنّي لا مخافة عليّ. فأوحى إليه أن يأتي وادي كذا وكذا فيه شجرة ، فليدع غصنا منها يأته. فانطلق إلى الوادي فدعا غصنا منها فجاء يخطّ في الأرض خطّا حتّى انتصب بين يديه ، فحبسه ما شاء الله أن يحبسه ، ثمّ قال له : ارجع كما جئت ، فرجع. فقال رسول الله : علمت يا ربّ ألّا مخافة عليّ (٢).
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، المائدة ، باب (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ،) ولفظه عن عائشة : «من حدّثك أنّ محمّدا كتم شيئا ممّا أنزل عليه فقد كذب». وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان من حديث مطوّل ولفظه : «من زعم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية». وأورده مرتّب مسند الربيع في مراسيل جابر بن زيد ، باب [٥] السّنّة في التّعظيم للهّ عزوجل ... ج ٣ ، (رقم ٨٢٤).
(٢) رواه يحيى عن أبي أميّة عن الحسن كما جاء في ز ، ورقة ٨٥ ، ولم أجده فيما بين يديّ من كتب الحديث ، وإنّ آثار الوضع لبادية عليه ، فهل بالرسول عليهالسلام من حاجة إلى علامة تطمئنه على أنّ الله حافظه وعاصمه بعد أن أمره بالتبليغ ووعده الحفظ والرعاية؟ كلّا والله ، ولكنّ المولعين بالإسرائيليّات ـ