كتابه في التفسير :
إنّ الحديث عن تفسير الشيخ هود الهوّاريّ يقتضي منّا الوقوف عند مسائل يثير البحث فيها أسئلة نحاول الإجابة عنها ، لنبيّن وجه الصواب فيها ، متحرّين الحقيقة والموضوعيّة إن شاء الله.
ولعلّ أوّل هذه المسائل وأولاها بالنظر : البحث عن الطريق التي وصل بها إلينا هذا التفسير بعد أحد عشر قرنا من عصر تأليفه ، وعن الذين رووه مباشرة أو بواسطة عن مؤلّفه ، وعن أقدم المصادر التي تحدّثت عنه.
وللجواب نلاحظ بادئ ذي بدء أن مؤرّخين معاصرين للشيخ هود الهواريّ ، وهما ابن الصغير ولوّاب بن سلّام اللواتي لم يشيرا إلى هذا التفسير ، ولم يذكرا مؤلّفه. فما معنى هذا الإغفال؟
إنّ ما يبدو لي بعد التأمّل أنّ ذلك قد يكون راجعا إلى سببين رئيسيّين :
ـ الأوّل : أنّ ابن سلّام اللواتيّ عاش في المنطقة الشرقيّة الجنوبيّة من إفريقية ، ما بين جبل نفوسة وبلاد الجريد ، وأنّ ابن الصغير كان مقيما بالمنطقة الغربيّة في تاهرت ، بينما عاش الشيخ هود الهواريّ في الوسط بجبل أوراس. ولعلّ الظروف لم تسمح بلقاء بينهما رغم العلاقات العلميّة والسياسيّة التي كانت قائمة بين جبل نفوسة وتاهرت وما بينهما.
ـ والسبب الثاني : هو أنّ التاريخ لا يحفظ عادة للعلماء ذكرا ، ولا تعرف آثار هؤلاء إلّا بعد وفاتهم بعشرات السنين ؛ لذلك لا نعجب إذا لم يرد في تاريخ ابن الصغير ولا في كتاب بدء الإسلام وشرائع الدين أى ذكر للشيخ هود أو لكتابه.
ونعود الآن فنتساءل : ما هو أقدم مصدر ورد فيه ذكر لهذا التفسير؟
لقد بحثت أغلب المصادر الإباضية التي وصلتنا إلى حدّ الآن ، وقارنت بينها ، فوجدت أنّ أقدم مصدر أشار إلى تفسير الشيخ هود الهوّاريّ هو كتاب «السيرة وأخبار الأئمّة» لأبي زكرياء ؛ وهذا ما جاء فيه : «وذكر أنّ رجلين اختصما على تفسير هود بن محكّم الهواريّ حتّى بلغ تشاجرهما قبيلتيهما ، وحتّى كادت الثورة تقوم بينهم. وتصافّ الفريقان ، وكاد الشرّ يقع بينهم. فلمّا رأى ذلك أبو محمّد جمال نزع المصحف (التفسير) من بينهم ، فقسمه نصفين ، فوافق قرطاسا بين النصفين لم