يكتب ، وأعطى لكلّ نصفا ، وزال الشرّ واصطلحوا» (١).
هذا أقدم نصّ ذكر هذا التفسير ، فيما أعلم ؛ ولي عليه الملاحظات التالية :
ـ أوّلا : إذا كان هذا أقدم نصّ أشار إلى هذا التفسير فإنّ الدرجينيّ بعده أورد هذا الخبر نفسه بتفصيل أكثر (٢). ولعله رواه من طريق آخر غير الطريق الذي رواه منه أبو زكرياء. فالدرجينيّ يفيدنا مثلا أنّ راوي الخبر إنّما هو أبو الربيع سليمان بن يخلف المزاتي المتوفّى سنة ٤٧١ ه / ١٠٧٤ م ، وهو شيخ أبي زكرياء. وهذا يؤكّد صحّة الخبر الذي أورده أبو زكرياء مختصرا ، وجاء به الدرجينيّ مفصّلا.
ـ ثانيا : تتّفق الروايتان على أنّ الذي فصل بين المتخاصمين إنّما هو أبو محمّد جمال (٣) ، وهو من علماء النصف الأوّل من القرن الرابع الهجري ، أى جاء بعد وفاة الشيخ هود الهوّاريّ بحوالى نصف قرن.
ـ ثالثا : نستنتج من هذا الخبر أنّ كتاب التفسير هذا كان معروفا إذ ذاك ومنسوبا إلى الشيخ هود الهوّاريّ ، وأنّه بلغ من النفاسة مبلغا جعل شريكين في التجارة ـ حسب رواية الدرجينيّ ـ يتنازعان على اقتنائه ، فيحتدم النزاع بينهما حتّى يتجاوزهما إلى قبيلتيهما ، وكادت الفتنة أن تؤدّي بهما إلى القتال ، لولا أن منّ الله عليهما بالشيخ محمّد جمال المديوني ، فعالج الأمر بحكمة ، وفصل في القضيّة برأيه السديد.
بعد هذا لا بدّ أن أقول : إنّ هذه الروايات المؤكّدة ، وهذه المصادر القديمة التي أشارت إلى الكتاب لم تبيّن لنا كيف روي هذا التفسير خلفا عن سلف ، ومن أى طرق من طرق التلقّي والسّماع تمّ نقله عبر الأجيال حتّى وصلت إلينا مخطوطاته ، في القرون الأربعة الأخيرة ، متفرّقة
__________________
(١) أبو زكرياء ، كتاب السيرة وأخبار الأئمّة ، ص ٣٥٩.
(٢) الدرجيني ، طبقات المشايخ بالمغرب ، ج ٢ ، ص ٣٤٥.
(٣) هو أبو محمد جمال المزاتي المديوني ، نسبة إلى مديونة ، وهي قبيلة بربريّة إباضيّة سكنت ما بين تلمسان وجنوب وجدة. وقد ذكرها ابن حزم في «جمهرة أنساب العرب» ، ص ٤٩٦ وص ٥٠٠. أمّا أبو محمّد جمال فكان مقيما بين وارجلان وبلاد أريغ ، حسبما تذكره بعض الروايات ، وقد صنّفته المصادر الإباضيّة في الطبقة السابعة من طبقات العلماء. اقرأ بعض أخباره التي جمعها الشيخ علي يحيى معمّر في كتابه الإباضيّة في موكب التاريخ ، الحلقة الثالثة ، الإباضيّة في تونس ، ص ٧١ ـ ٧٥.