أجزاؤها ، متعدّدة نسخها ، ولكنّها ـ والحمد لله ـ متكاملة. وهذا يؤدّي بنا إلى أن نقف عند مسألة جديرة بالبحث ، هي مسألة نسبة الكتاب ؛ وهي المسألة الثانية التي أودّ توضيحها.
نسبة التفسير إلى الشيخ هود الهوّاريّ :
وأقول بادئ ذي بدء : إنّ كلّ المخطوطات التي علمت بوجودها قد حصلت عليها بتوفيق من الله ، ثمّ بسعي حثيث تطلّب منّي سنوات عديدة لجمعها ، إلّا واحدة أعياني أمرها (١). وكل هذه المخطوطات نسبت الكتاب إلى الشيخ هود الهوّاريّ ، وإن اختلف ناسخوها في تحديد عصر المؤلّف ، فقد ذكر بعضهم مثلا أنه عاش في عهد الإمام عبد الوهّاب الرستميّ.
كما أخطأ بعض الكتّاب المعاصرين حين قال : إنّه كان قاضيا ، أو إنّ تفسيره توقّف في سورة البقرة. والصحيح أنّه عاش في عهد الإمام أفلح المتوفّى سنة ٢٦١ ه / ٨٧٥ م. وفي عهد ابنه أبي اليقظان المتوفّى سنة ٢٨١ ه / ٨٩٤ م على أصحّ الأقوال ، وأنّ أباه هو الذي كان قاضيا ، كما أسلفت ، وأنّ التفسير كامل بين أيدينا الآن ، وإنّما الذي كان ناقصا إنّما هو حاشية له شرع فيها الشيخ أبو ستّة محمّد بن عمر ولم يتمّها ، كما ذكر ذلك في بعض المصادر ، ولم أطّلع عليها (٢).
فالكتاب الذي أقدّمه اليوم هو للشيخ هود بن محكّم الهوّاريّ ولا شكّ. ولا أدلّ على ذلك من كثرة الروايات والأقوال التي جاءت فيه منسوبة إلى جابر بن زيد ، وإلى أبي عبيدة مسلم خاصّة ، وإلى عامّة علماء الإباضيّة وفقهائهم ، والذين يصفهم الشيخ هود دائما بقوله : «أصحابنا».
فإذا ثبت هذا فما معنى التساؤل عن نسبة الكتاب إذن؟
إنّ الذي يثير هذا التساؤل ويفرضه على الباحث هو ما اكتشفته من صلة وثيقة بين تفسير الشيخ الهوّاريّ وبين تفسير آخر سبقه بنحو قرن من الزمن ، وأعني به تفسير يحيى بن سلّام
__________________
(١) هي مخطوطة موجودة بإحدى مدن ميزاب. وقد أكّد لي أحد مشايخنا أنّه كان كثيرا ما يرجع إليها. وقد سألت عنها مرارا وطلبتها بواسطته وبآخرين ، ولكنّ القائمين على الخزانة التي كانت المخطوطة بها اعتذروا بعلل واهية ، ولا أدري الآن مصير هذه المخطوطة.
(٢) ومن الذين وهموا وخلطوا في حديثهم عن هذا التفسير وعن التفسير عند الإباضيّة عامّة الدكتور محمّد حسين الذهبي ، فقد جاءت معلوماته في كتابه «التفسير والمفسرون» ج ٢ ، ص ٣١٥ ـ ٣٣١ ناقصة جدّا ، وجاءت بعض أحكامه مجانبة للحقّ والصواب.