الأجزاء الستّة عشر التي رجعت إليها من تحقيق الأستاذ الشيخ محمود محمّد شاكر (١) ولعلّ ذلك راجع إلى أنّ تفسير ابن سلّام روي أوّلا وانتشر أكثر في إفريقية والمغرب والأندلس.
منهج تفسير ابن سلام :
يعدّ تفسير ابن سلام من أقدم ما وصل إلينا من كتب التفسير بالمأثور ؛ فقد تتبّع فيه المؤلّف سور القرآن كلّها آية آية ، يذكر سبب نزولها إن وجد ، ويذكر ما يناسبها من الآية أو الآيات المشابهة لها إن كانت. وتفسير القرآن بالقرآن هي القاعدة الأساسية التي التزم بها في تفسيره. وهي في رأيي الطريقة المثلى في مناهج تفسير القرآن. وقديما قيل : ما فسّر القرآن مثل القرآن.
ثم يذكر بأسانيد متّصلة في أغلب الأحيان الأحاديث التي تبيّن الآية وتعين على فهمها ؛ يرويها عمّن حدّثه بها مباشرة ، فيقول مثلا : «حدّثني حمّاد بن سلمة عن الحسن» ، أو «الحسن بن دينار عن الحسن» ، أو «أبو الأشهب عن الحسن» ، أو «حدّثني سعيد عن قتادة» ، أو «همّام عن قتادة». وربما حدّث ابن سلّام عن «صاحب» له من غير ذكر لاسمه. وأحيانا يتحدّث عن نفسه بهذه العبارة : «قال يحيى» : بلغني أنّه كذا وكذا. ويذكر أخبار الصحابة أو التابعين ويروي أقوالهم بالسند أحيانا وبدونه أخرى. وربما اكتفى بقوله : «وفي تفسير الحسن». أو «في تفسير مجاهد» كذا وكذا. وإذا أراد ترجيح رأي على رأي ، أو الإدلاء برأيه هو قال : «قال يحيى» ، أو : «وبه يأخذ يحيى وعليه يعتمد». وإذا كان للآية قراءتان أو أكثر أشار إلى ذلك وذكر باختصار شديد مدلول كلّ قراءة من دون تعمّق في التعليل.
وأهمّ مصادر تفسير ابن سلّام من تفاسير الصحابة : تفسير ابن عبّاس ، وتفسير ابن عمر ، وتفسير ابن مسعود ، وتفسير عليّ بن أبي طالب وغيرهم ؛ يذكر ما أثر عنهم ويروي أقوالهم ، وخاصّة في تفسير آيات الأحكام. ومن تفاسير التابعين اعتمد ابن سلّام خاصّة تفسير الحسن وتفسير مجاهد.
وابن سلّام يكثر الرواية عن الكلبيّ وعن السدّيّ ، لذلك لا نعجب إذا وجدنا في تفسيره بعض الإسرائيليّات التي يوردها بدون أن ينقدها أو يعلّق عليها ، كما فعل بعض المفسّرين الذين أتوا من بعده ، مثل الطبريّ ، ومثل ابن كثير وأضرابهم.
__________________
(١) تفسير الطبري ، ج ٤ ص ١٠٠ في تفسير الآية ١٩٦ ، من سورة البقرة.