تفسير سورة المائدة وهي مدنيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) : يعني عقود الجاهليّة. ويقال : ما كان من عقد في الجاهليّة فإنّ الإسلام لا يزيده إلّا شدّة ، ولا حلف في الإسلام ، يقول : إلّا ما نسخ منها. وقد فسّرنا نسخ تلك الأشياء المنسوخة في مواضعها (١). منها : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) [النساء : ٣٣]. قال بعضهم : كان يقال : الحلف في الإسلام لا يزيده الإسلام إلّا ذلّا ، وإنّه من تعزّز بمعاصي الله أذلّه الله. وقال بعضهم : العهد فيما بين الناس. وقال الكلبيّ : ما أخذ الله على العباد من العهد فيما أحلّ لهم وحرّم عليهم.
قوله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) : والأنعام : الإبل والبقر والغنم. (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) : أى إلّا ما يقرأ عليكم ، أى : من الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلّا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب. نزلت هذه الآية [المائدة : ٣] التي حرّمت هذه الأشياء قبل الآية الأولى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) من هذه الأشياء التي سمّى ، وهي قبلها في التأليف.
قال بعضهم : البهيمة : ما في بطونها ؛ إذا أشعر فكله.
قال : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) : أى من غير أن تحلّوا الصيد وأنتم حرم. قال مجاهد : لا يحلّ لأحد الصيد وهو محرم. قال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (١) : قال الحسن : هو حكم الله الذي يحكم ، والله يحكم ما يريد.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ).
ذكروا أنّ رجلا سأل ابن عمر عن أعظم الشعائر فقال : أوفي شكّ أنت منه؟ هذا أعظم الشعائر ، يعني البيت.
__________________
(١) انظر ما سلف ، تفسير الآية ٣٣ من سورة النساء.