وقد كان تفسير ابن أبي زمنين أحسن مساعد لي على التحقيق ، وخفّف عنّي كثيرا من العناء الذي كنت أشعر به قبل حصولي على مخطوطة الكتاب.
تفسير العلّامة هود الهوّاريّ ؛ ميزته وقيمته :
إذا كان تفسير ابن سلّام البصريّ أصلا لتفسير الشيخ هود بن محكّم الهوّاريّ كما بيّنت ، فكيف رواه الشيخ الهوّاريّ أو وصل إليه حتّى عني به واختصره؟ ما هو الدافع له؟ وما هو الغرض من عمله هذا؟ ماذا نجد في تفسيره من جديد؟ بماذا يمتاز تفسيره عن مختصر ابن أبي زمنين؟ وما هي قيمته بين كتب التفسير؟ هذه الأسئلة وغيرها واردة في الموضوع ولا شكّ. وقد لا نتمكّن من الإجابة عنها كلّها إجابة شافية ؛ لأنّ الوثائق الضروريّة والدلائل الكافية مفقودة ، لضياع الأوراق الأولى من مخطوطات تفسير الهوّاريّ ، ولكنّنا نحاول ذلك ، والله الموفّق الهادي بمنّه وفضله.
تجمع المصادر التي بأيدينا على أنّ تفسير يحيى بن سلّام سمع بالقيروان ، ورواه الناس بها مباشرة عن مؤلّفه ، وخاصّة ابنه محمّد وتلميذه أبو داود العطّار. وكان أواسط القرن الثالث الهجريّ هي الفترة التي ملأ فيها هذا التفسير مجالس العلم وحلق الدروس والمناظرة بالقيروان خاصّة ، وفي إفريقية الإسلاميّة عامّة. وكانت دار محمّد بن يحيى مركزا من مراكز العلم ، كما يفهم من رواية القاضي عياض (١) ، ومفتوحة للطلبة الذين يقصدونها ، وهم يرتدون زيّا خاصّا ، للتفقّه على هذا العالم الذي ورث علم أبيه ، ويؤمّها الفقهاء والعلماء للمناظرة وتلقّي بعضهم عن بعض في مجلس هذا العالم «الثقة النبيل» كما وصفه أبو العرب (٢) فهل كان الشيخ الهوّاريّ من بين هؤلاء الطلبة والعلماء؟.
ثمّ إنّ تفسير ابن سلّام في أوائل القرن الثالث الهجري وأواسطه كان التفسير الجديد الكامل الذي طبّقت شهرته إفريقية الإسلاميّة وذاع صيته ؛ فحداثته كافية لأن تجذب الأنظار والهمم إليه ،
__________________
ـ موسى عن يحيى بن سلّام ، ومنه ما حدّثني به عن أبي الحسن عن يحيى بن محمّد بن يحيى بن سلّام عن أبيه عن جدّه ...».
(١) عياض ، ترتيب المدارك ، ج ٢ ص ٣٣٥.
(٢) أبو العرب ، طبقات علماء إفريقية ، ص ٣٨.