قدره ، ولا لذي الشرف شرفه ، وإن كان ليس أحد منكم يحبّ أن يظلم ولا يظلم ، ولكن تحبّون أن يجري فيكم الحقوق على وجهها بلا نقص لأغراضكم ولا امتهان لأنفسكم. قالوا فإنّا لا نرضى لقضائنا أحدا غيره ...» (١).
هذا هو محكّم الهوّاريّ ، عالم قضى معظم حياته في جبل أوراس ، وفي البادية من حواليها ، فأكسبته من قسوة طبيعتها قوّة في النفس ، وشدّة في الحقّ ، وصلابة في الدين. فلم تؤثّر فيه حياة المدن وما يتبعها أحيانا من لين في العيش ، وترف في الحياة وفساد في الطباع.
أمّا مدّة قضائه ، وكيف كانت أواخر أيّام حياته ، ومتى وأين كانت وفاته ، فقد أغفلت المصادر كلّ ذلك ولم تذكر عنه شيئا. والذي ثبت لدى المؤرّخين وكتّاب الطبقات هو أنّه عاش في النصف الأوّل من القرن الثالث ، وفي عهد الإمام أفلح بن عبد الوهّاب (٢٠٨ ـ ٢٥٨ / ٨٢٣ ـ ٨٧١). ولعله يكون قد توفّي قبل الإمام أفلح ، أو بعده بقليل. لأنّ عهد أبي اليقظان بن أفلح بعده عرف قاضيا آخر هو أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن أبي الشيخ. ولم يكن يقلّ عن محكّم الهوّاريّ تقى وورعا ، وجرأة على أن يصدع بالحقّ ، وأن يقيم العدل بين الناس ، حتى إذا رأى أنّ الظلم قد استشرى ، وأن لا حيلة له في إرجاع الحقّ إلى نصابه ، غدا بخاتمه وقمطره إلى الإمام ، واعتزل القضاء بكل إباء ، لأنّه لم يصبح قادرا على معاقبة المعتدين الظالمين كما فصّل ذلك ابن الصغير الذي أدرك عهد أبي اليقظان ورآه مرّتين ، وحضر مجلسه.
هذه لمحة عابرة عن شخصية محكّم الهوّاريّ ، والد الشيخ هود ، وهذا الشبل من ذلك الأسد.
فكيف كانت حياة الشيخ هود الهوّاريّ؟
في تلك المواطن من جبل أوراس وما يحيط به ، وفي كنف هذا الوالد الورع التقيّ ، القاضي الحازم ، وتحت رعايته ، نشأ عالمنا الشيخ هود بن محكّم الهوّاريّ. إنّنا لا نعرف بالتحديد عام مولده ، ولكنّنا نقدّر أن يكون في العقد الأوّل أو الثاني من القرن الثالث الهجريّ. والذي يبدو لنا أنّه يكون قد أخذ العلم أوّلا في مراتع طفولته ومرابع صباه عن والده ، بعد حفظه لكتاب الله ، وأنّه قد تفقّه في مجالس العلم وحلقات الدروس التي كانت تعقد بالمساجد في القرى الجبليّة أو في
__________________
(١) ابن الصغير ، أخبار الأئمة الرستميين ، ص ٤٩ ، ٥٠.