ومهما يكن الأمر فهذان تفسيران بين أيدينا الآن : الأوّل تفسير ابن سلّام ، والثاني تفسير الهوّاريّ ، توفّي ابن سلّام بإجماع سنة مائتين للهجرة ، وتوفّي الهوّاريّ بعده بنحو ثمانين سنة. وفي التفسير الثاني كثير ممّا جاء في الأوّل وزيادة ، فلا بدّ أن يكون هذا المتأخّر زمانا هو الذي اختصر من السابق ونقل عنه. ولكلّ من المؤلّفين فضل وأجر ، ولكلّ من الكتابين مميّزات ومزايا كما سنبيّنه فيما يلي (١).
تفسير ابن سلام :
إنّ تفسير ابن سلّام أصبح الآن معروفا لدينا بعد أن قدّمت حوله دراسات ضافية وأبحاث قيّمة (٢).
وبعد أن حقّقت بعض أجزائه تحقيقا علميّا كافيا لتقديم صورة تقريبيّة عن محتواه ومنهجه (٣). ولكنّه مع ذلك لا يزال غير كامل فيما أعلم.
لقد تتبّعت بعناية كلّ قطع المخطوطات المصوّرة الموجودة بالقاهرة (٤) وقد شملت هذه
__________________
(١) لقد كان لي شرف بسط هذه المسالة وأنا بالقاهرة سنة ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م بين يدي العالم الجليل والمحّقق الكبير الأستاذ الشيخ محمود محمّد شاكر ، فأكّد لي أنّ عادة اختصار الكتب ونقل المؤلّفين بعضهم عن بعض موجودان كثيرا في تاريخ التأليف. وقد يذكر اللاحق من سبقه ممّن نقل عنه وقد لا يذكره. وضرب لي مثالا ممّا حقّقه هو مؤخّرا ممّا كان يظنّ أنّه لمؤلّف وتبيّن له أنّ أصله لمؤلّف آخر سبقه. وقال : «وهذا لا ينقص من قيمة المؤلّف الثاني مطلقا». وهذا ما لمسته فعلا كلّما تقدّمت في دراسة تفسير الشيخ الهوّاريّ.
(٢) إنّ أحسن دراسة علميّة وأوفاها في الموضوع هي تلك الأعمال الممتازة التي نشرتها الباحثة الفاضلة الدكتورة هند شلبي في تقديمها وتحقيقها لكتاب «التصاريف» لابن سلّام ، وفي أطروحتها : «القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري». وأنا أحيل القارئ عليها ، فهي من خير ما كتب حول الدراسات القرآنيّة في القرون الإسلاميّة الأولى بإفريقية. ولعلّ الباحثة الفاضلة أصدرت أعمالا أخرى لم أطّلع عليها. فجزاها الله عنّا وعن الإسلام وعن لغة القرآن وعلومه خير الجزاء.
(٣) حقّق الأساتذة الفضلاء السادة حمود صمود ، والبشير المخينيني ، ورشيد الغزي تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمّد طالبي ستّة أجزاء من تفسير ابن سلّام مصدّرة بدراسات حول ابن سلّام ، وذلك منذ سنوات ، ولكنّي لم أطّلع عليها إلّا أخيرا ، فبارك الله فيهم ووفّقهم لمزيد من البحث والتحقيق.
(٤) هي قطع غير مرتّبة توجد بدار الكتب المصريّة ضمن ملفّات تحمل الأرقام التالية : ب ٢٤٧٩١ ، ب ٢٤٧٩٢ ، ب ٢٤٨٣١ ، وب ٢٤٨٣٢. وقد وصلت هذه القطع المصوّرة دار الكتب المصريّة سنة ـ