واليوم ، وبعد أكثر من عشر سنوات من التحقيق والمقارنة والاستقراء ، أستطيع أن أقول بدون تردّد : إنّ الشيخ هودا الهوّاريّ اعتمد اعتمادا كثيرا ، إن لم أقل اعتمادا كلّيّا ، على تفسير ابن سلّام البصريّ. ولو جاز لي أن أضع للكتاب عنوانا غير الذي وجدته في المخطوطات لكان العنوان هكذا : «تفسير الشيخ هود الهوّاريّ (مختصر تفسير ابن سلّام البصريّ)» ؛ لأنّ تفسير ابن سلّام أصل لتفسير الشيخ هود الهوّاريّ ، ما في ذلك شكّ. وهذا هو عين الحقيقة والصواب. والأمانة العلميّة تقتضيني أن أجلو هذا وأبيّنه في تقديمي للكتاب.
وقد يقول قائل : إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا لم تشر مخطوطات تفسير الهوّاريّ التي وصلتنا إلى هذه العلاقة بين التفسيرين؟
إنّه من العسير تقديم جواب شاف على هذا السؤال ما دمنا لا نعرف شيئا عن إسناد رواية هذا التفسير كما ذكرت.
إنّه من المستبعد جدّا أن يكون الشيخ هود الهوّاريّ هو الذي كتم هذه العلاقة أو تجاهلها. إنّ تفسير ابن سلّام كان قد انتشر وذاع أمره في القيروان وفي المغرب الإسلامي عامّة ، طوال القرنين الثالث والرابع من الهجرة فما بعدهما ؛ فلا يمكن أن يجرؤ عالم فينسج على منواله وتخفى على الناس نسبة الكتاب إلى مؤلّفه الأوّل.
فهل يكون بعض تلاميذ الشيخ الهوّاريّ الأوائل من الذين رووا تفسيره هم الذين أهملوا ذكر ابن سلام عن قصد أو عن غير قصد؟ هذا احتمال قد يرد ، ولكنه فيما يبدو مستبعد أيضا.
والذي أميل إليه ، ولعلّه يكون أقرب إلى المنطق والواقع ، هو أنّ الشيخ الهوّاريّ يكون قد أشار في ديباجة تفسيره إلى أنّه اعتمد تفسير ابن سلّام واختصره ، وقد يكون الرواة والنسّاخ الأوائل قد نقلوا ذلك ، ولكنّ الورقة أو الورقات الأولى من مخطوطات هذا التفسير قد ضاعت في القرن الثالث الهجري أو الرابع ولم تصلنا. فإنّ أقدم المخطوطات التي بين أيدينا من تفسير الهوّاريّ يرجع تاريخها إلى القرن الحادي عشر الهجريّ ، وهذه المخطوطات مخرومة كلّها من أوّلها. هذا رأي أسجّله ولا أجزم به ، لأنّني لا أملك من الوثائق التاريخيّة ومن الأدلّة الموضوعيّة الكافية ما يسمح بتقديم جواب شاف ورأي يطمأنّ إليه.
__________________
ـ من هذا التفسير الموجود بالقرويّين تحت رقم ٣٤. فجزى الله جميعهم عنّي وعن الإسلام كلّ خير.