ينبغي أن يقع فيه الهوّاريّ ، خاصّة وهو يؤلّف في عهد كان فيه الإسناد والرواية من العلوم التي يعنى بها عناية بالغة.
وهنالك جانب نقص آخر : هو التكرار المملّ أحيانا ، أو وجود بعض عبارات في التفسير بلغت من البساطة حدّا لا يليق بمستوى تفسير كتاب الله.
هذا هو رأينا في تفسير الشيخ الهوّاريّ وقيمته.
أمّا عن منزلته فهو يعدّ بحقّ أوّل مختصر لتفسير ابن سلّام البصريّ ، ولو لم يكن له من مزيّة إلّا أنّه حفظ لنا تفسير ابن سلّام في صورته الكاملة أو القريبة من الكمال لكفاه فخرا وفضلا ، لأنّ مخطوطات تفسير ابن سلّام لا تزال ناقصة. وإذا ما قورن تفسير الهوّاريّ بتفسير ابن أبي زمنين فإنّه يعتبر أقدم عهدا منه ، وأقرب إلى زمن المؤلّف ، وأكبر حجما ، وأغزر مادّة وأكثر فائدة ، لأنّه حوى من الآثار ومن الأخبار المفيدة ما لا يوجد في تفسير ابن أبي زمنين ، وهذا لا يتبيّن إلّا لمن تتبّع المختصرين بالقراءة المتأنّية ، والمقارنة الدقيقة المستوعبة. والمقام لا يتّسع لتقديم بعض الأمثلة.
عملي في الكتاب :
كان أوّل عمل قمت به إثر تعرّفي على المخطوطة الأولى من تفسير الهوّاريّ هو السعي لاستكمال الكتاب وجمعه من الخزائن المتفرّقة ، ولم يكن ذلك ـ علم الله ـ سهلا ميسّرا. وكنت كلّما حصلت على جزء أو بعضه بادرت إلى نسخه بنفسي نسخا أوّلا بدون تحقيق أو تعليق ، إلّا ما جاء عفوا ، مخافة ضياع المخطوطة أو فسادها.
ولّما اكتمل التفسير عندي بعد سنين شرعت في التحقيق. وكانت جميع هذه النسخ المخطوطة يشيع فيها التحريف والتصحيف والسقط. وقد بذلت ما في وسعي لتصحيح الأخطاء ، وتدرعت بالصبر على ما وجدته من مسخ النسّاخ. فإذا لم يتبيّن لي وجه الصواب في كلمة أو في عبارة رجعت إلى المظانّ من كتب التفسير والحديث والسير.
وكان اعتمادي في التصحيح والتحقيق على تفسير الطبري وأمّهات كتب التفسير والحديث. واعتمدت في شرح المفردات والعبارات على كتب غريب القرآن والحديث وعلى أمّهات كتب اللغة ، وأخصّ بالذكر منها كتابي أبي عبيدة والفرّاء : «مجاز القران» و «معاني القرآن». لأنّهما من أقدم كتب التفسير اللغويّ البيانيّ ؛ لأنّ مؤلّفيهما معاصران لابن سلّام البصريّ. ولّما اكتشفت