للنفاق ، الذي نقرأ صورا عنه في سورة براءة مثلا أو غيرها من السور. فإنّ السورة هنا مكّيّة ، وسياق الآيات قبلها وبعدها يوحي بأنّها نزلت في مشركي قريش الذين ينكرون نبوّة سيّدنا محمّد عليهالسلام ورسالته ، وينكرون البعث ويكذبون به. ولكنّ الشيخ هودا يرى في هذا التكذيب هنا معنى انتقاص الفرائض ، ويسمّي أصحابه منافقين ، وهو معنى بعيد متكلّف لا ينتزع من الآية إلّا باقتسار.
وهناك زيادات أخرى يضيفها الشيخ الهوّاريّ القصد منها إيضاح معنى يغمض ، أو دحض شبهة تعترض ، أو إسناد رأي إلى قائل به ، وهذه أمور يجدها القارئ في أجزاء التفسير كلّها ، خاصّة في تفسير آيات الأحكام ، وهي زيادات هامّة تدلّ على فقه واسع لدى الشيخ الهوّاريّ ، وإدراك عميق لأسرار التشريع.
أمّا ما يتعلّق بحذف الشيخ الهوّاريّ لأحاديث وأخبار وردت في تفسير ابن سلّام ، فالملاحظ أنّه يحذف الأحاديث التي لم تصحّ عنده ، والتي لا تتّفق وأصول مذهبه. لقد حذف أحاديث في تفسير قوله تعالى من سورة مريم ، الآية ٨٧ : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) وهي أحاديث في الشفاعة. وحذف أحاديث متتابعة في تفسير قوله تعالى من أوائل سورة الحجر : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [سورة الحجر : ٢] وهي أحاديث حول من سمّوا بالجهنّميّين ، أو بعتقاء الرحمن (١) لم تصح عنده كذلك. وقد أشرت إلى ذلك على الهامش في مواضع كثيرة من هذا التفسير.
إذا كانت هذه الزيادات المفيدة والآراء الخاصّة التي تنبئ عن فكر الهواريّ وعن شخصيّته العلميّة تمثّل جانبا إيجابيّا هامّا في تفسير الهوّاريّ ، فمن الإنصاف أن نقول : إنّ حذف المؤلّف لأسانيد الرواة هو جانب من جوانب النقص فيه. لقد اختصر المؤلّف أغلب سلاسل الإسناد أو حذفها ، واكتفى بذكر الصحابيّ الذي روى الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. أمّا عن أسماء التابعين وتابعيهم وعن شيوخه هو فلا نعلم عنهم إلّا قليلا. وكان الهوّاريّ يبدأ الكلام أحيانا بقوله : «قال بعضهم» ، أو «ذكر عن بعضهم» ثمّ يأتي بالخبر. وربما قال أحيانا : «بلغني كذا وكذا» فيظنّ القارئ أنّ العبارة من قوله هو ، ولكن عند المقارنة يتبيّن أنّ العبارة لابن سلّام. وهذا خطأ منهجيّ ما كان
__________________
(١) هي موجودة في القطع القيروانيّة لمخطوط تفسير ابن سلّام ، قطعة رقم ١٧٧ ، ملف ٥٦.