الإيمان وتسرّوا الشرك ، والدّخل إظهار الإيمان وإسرار الشرك» (١). يقول الهوّاريّ : «(دخلا بينكم) أى : خيانة وغدرا كما صنع المنافقون الذين خانوا الله إذ نقضوا الإيمان فقالوا ولم يعملوا ، وتركوا الوفاء بما أقرّوا لله به ، والدخل الخيانة».
وإذا قال ابن سلّام في ريب المنافقين الذي ورد في الآية ٤٥ من سورة التوبة : «(وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) أى : شكّت في الله عزوجل وفي دينه» ، كما جاء في مختصر ابن أبي زمنين ، ورقة ١٢٧ ، قال الشيخ الهوّاريّ : «أي : وشكّت قلوبهم في أن لا يعذّبهم الله بالتخلّف عن الجهاد بعد إقرارهم بالله وبالنبيّ ... ولم يكن ارتيابهم شكّا في الله وإنّما كان ارتيابهم وشكّهم في أن لا يعذّبهم الله بتخلّفهم عن نبيّ الله بعد إقرارهم وتوحيدهم».
وفي تفسير قول الله تعالى من سورة فاطر ، الآية ١٠ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) يكتفي ابن سلّام بقوله : «(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) أى : التوحيد (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) التوحيد ، لا يرتفع العمل إلّا بالتوحيد». يزيد الشيخ الهوّاريّ : «ولا التوحيد إلّا بالعمل ، كقوله تعالى : (وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [سورة الإسراء : ١٩] ، والإيمان قول وعمل ، لا ينفع القول دون العمل».
وأحيانا نجد الشيخ الهوّاري يضيف زيادات لتأكيد هذا المعنى ، وربّما بالغ أحيانا فحمّل الآية ما لا تحتمل. لنستمع إليه يعلّق على الآية ٢٧ من سورة الأنعام : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، فهو يرى في معنى التكذيب الذي ورد في الآية رأيا خاصّا. قال : «وقال بعضهم : هم المنافقون ، وليس تكذيبهم هذا تكذيبا بالبعث ، ولكنّه بالعمل الذي لم يكملوه ، ولم يتمّوا فرائضه. ومن قال إنّها في المنافقين فيقول : التكذيب تكذيبان : تكذيب بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، وهو تكذيب المشركين ، والمنافقون منه برآء. وتكذيب آخر ، هو تكذيب المنافقين ، وهو ترك الوفاء وانتقاص الفرائض التي لا يكون أهلها مؤمنين إلّا باستكمالها. فالمنافقون مكذّبون بهذه الجهة ، وبهذا المعنى ؛ لا على الإنكار والجحود ، لكن على ترك الوفاء واستكمال الفرائض كان تكذيبهم».
والحقّ أنّ من تدبّر هذه الآية من سورة الأنعام يدرك أنّها لا تعني المنافقين بالمعنى العامّ
__________________
(١) مخطوطة العبدلية ، ورقة ٣ ظ.