دام قد وجد تفسير مرويّ متداول ، فليعد هو كتابته على ما يعتقد أنّه الحقّ والصواب ؛ يبقي على ما ارتضاه ووافق أصول عقيدته ، وهو جلّ التفسير ، ويصحّح أو يحذف ما يراه غير صواب ، ويضيف من علمه ومعارفه ما يرى فيه فائدة للقارئ المستفيد.
ذلك هو الموقف الذي اتّخذه الشيخ الهوّاري إزاء تفسير ابن سلّام ، وذلك هو عمله طوال الكتاب ، حسبما يستنتجه الباحث إذا قارن تفسير الهواري بأصله.
إنّ الشيخ الهوّاري لا يفتأ يؤكّد في كلّ مناسبة على أنّ الإيمان بالقول وحده لا يكفي ، بل لا بدّله من العمل الذي يحقّقه ويتمّ به. وهو يردّ بذلك على كلّ من يقول بالإرجاء ، وإن لم يصرّح بلفظه.
وكان ابن سلّام قد رمي بالإرجاء ، وإن أقسم أنّه بريء منه ، حسبما رواه أبو العرب(١). والحقّ أنّ رواية أبي العرب توحي أنّه فعلا بريء منه ، ولكن لّما كانت التهمة صدرت خطأ من سحنون بن سعيد فإنّها انتشرت بين الخاصّة والعامّة ، على حدّ قول الشاعر :
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا |
|
فما اعتذارك من قول إذا قيلا |
فهل كان الهوّاريّ يقصده بالذات؟ وهل كان من أغراض كتابه أن يتعقّب ابن سلّام في هذه المسألة خاصّة؟ إنّ كثيرا من زيادات الهوّاريّ على أصل التفسير توحي بذلك ، ولكن لا يستطيع الباحث أن يجزم في الموضوع بشيء ما دام الشيخ الهوّاريّ لم يبيّن غرضه من تأليف الكتاب ، أو قد بيّنه ولم يصل إلينا.
ومهما يكن فإنّ وقوفه ضدّ من يقول بالإرجاء شيء بارز في ثنايا الكتاب وهي من إحدى ميزاته. وهذه أمثلة من ذلك ، وهي تبيّن أيضا نماذج من زيادات الشيخ هود على أصل الكتاب.
عند ما يقول ابن سلّام مثلا في قول الله تعالى من سورة النحل ، الآية ٩٣ (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) : «قال الحسن : كما صنع المنافقون ، فلا تصنعوا كما صنع المنافقون ، فتظهروا
__________________
ـ فلمّا بلغ سورة الحاقّة عند قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الآيات : ٤٤ ـ ٤٧] قطع أوراقه وترك التفسير هيبة وخوفا».
(١) طبقات علماء إفريقية ، ص ٣٧ ـ ٣٨. وانظر ما كتبته هند شلبي في مقدّمتها لكتاب يحيى بن سلّام ، التصاريف ، ص ٧٨ ـ ٨٢ ، فقد بحثت الموضوع من جميع جوانبه.