قوله : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) فكان هذا قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافّة.
قوله : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) ذكروا أنّ مجاهدا قال : كانوا يعلّقون لحاء الشجر في أعناقهم ، وكان هذا من الشعائر (١) ؛ فقال أصحاب النبيّ عليهالسلام : هذا من أعمال الجاهليّة ، فحرّم الله ذلك كلّه في الإسلام ، يعني الآية : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ، يعني الحجّاج ؛ إلّا القلائد في أعناق الناس فإنّه ترك. ثمّ أمر بقتال المشركين فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] وهو العام الذي حجّ فيه أبو بكر ونادى فيه عليّ بالأذان (٢).
قال بعضهم : كان أحدهم يعلّق قلادة من لحاء السمر (٣) إذا خرج من مكّة فيقول : هذا حرمي ، فلا يعرض له حيثما توجّه ؛ فنسخ (آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ، وهم حجّاج المشركين فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥]. وتفسير (آمِّينَ): يؤمون ، [يقصدون] البيت الحرام.
وقال الكلبيّ : إنّما كانوا يستحلّون فيصيبون الهدي وأصحاب القلائد.
وكانت القلائد أنّ الرجل إذا خرج من أهله حاجّا أو معتمرا ليس معه هدي جعل في عنقه قلادة من شعر أو وبر ، فأمن به ، إلى مكّة. وإذا خرج من مكّة يعلّق من لحاء شجر مكّة فأمن به إلى أرضه.
قوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) : قال بعضهم : الفضل والرضوان اللذان كانوا يبتغون أن يصلح الله معيشتهم في الدنيا ، ولا يعجّل لهم العقوبة فيها. وقال مجاهد : (يَبْتَغُونَ
__________________
(١) كذا في د وع ، وفي تفسير مجاهد ، ص ١٨٣ : «اللحاء في رقاب الناس والبهائم أمان لهم ، وهي من الشعائر».
(٢) يشير المؤلّف إلى خروج أبي بكر بالناس أميرا على الحجّ ، ثمّ نزول الآيات الأولى من صدر سورة التوبة ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليّ بن أبي طالب بأن يلحق أبا بكر ، ويكون معه ليؤذّن بهذه الآيات في الموسم يوم عيد النحر بمنى ، وينبذ إلى كلّ ذي عهد عهده. انظر تفصيل ذلك في سيرة ابن هشام ، ج ٤ ص ٥٤٣ ـ ٥٤٨.
(٣) كذا في ع : «السمر» ، وفي د : «الشجر». والسمر واحدته سمرة ، وهي شجرة من شجر الطلح ، وخشبه من أجود الأنواع. وكانت الشجرة التي ورد ذكرها في سورة الفتح عند بيعة الرضوان سمرة. انظر : اللسان (سمر) ولحاء الشجرة : قشرها.