فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) : التجارة.
قال الكلبيّ : نزلت ـ فيما بلغنا ـ في رجل من بني بكر بن وائل من بني قيس بن ثعلبة (١) ؛ قدم على النبيّ بالمدينة فقال : يا محمّد ، ما تأمرنا به وما تنهانا عنه؟ فأخبره النبيّ بالذي له وبالذي عليه في الإسلام. فلم يرض ، فقال : أرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما ذكرت ، فإن قبلوا كنت معهم ، وإن أدبروا كنت معهم على هذا ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لقد دخل عليّ بوجه كافر ، وخرج من عندي بقفا غادر ، وما الرجل بمسلم (٢). فلمّا خرج من أرض المدينة مرّ بسرح من أهل المدينة فانطلق به ، فبلغ الخبر أهل المدينة فطلبوه فسبقهم. وحضر الحجّ ، فأقبل تاجرا حاجّا ، فبلغ ذلك أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأرادوا أن يطلبوه فيقتلوه فيأخذوا ما معه ، فنهوا عنه في هذه الآية. وكان ذلك قبل أن يؤمروا بقتال المشركين.
وقال الكلبيّ في قوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) : التجارة بعد الحجّ. وأمّا الرضوان فالناس كانوا يحجّون بين مسلم وكافر قبل أن تنزل هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] وأصحاب الرضوان المسلمون.
قوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) : أى إذا رمى أحدكم جمرة العقبة يوم النحر فقد حلّ له كلّ شىء ، إلّا النساء والطيب فحتّى يطوف بالبيت. وهي رخصة إن شاء اصطاد وإن شاء ترك. يقول : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) وقال في آية أخرى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ٩٥].
قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) : قال بعضهم : لا يحملنّكم بغض قوم (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) : قال الكلبيّ : يعني بالقوم أهل مكّة ؛ يقول : لا تعتدوا عليهم لأن صدّوكم عن المسجد الحرام ؛ وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.
__________________
(١) هو الحطم ، شريح بن ضبيعة بن شرحبيل. وكان «صاحب المشركين في الردّة» كما ذكره ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ، ص ٣٢٠. وانظر قصّته في أسباب النزول للواحدي ، ص ١٨١. وقد قتل الحطم في حروب الردّة ، قتله المسلمون الذين كانوا بقيادة العلاء بن الحضرميّ. انظر تفاصيل ذلك في تاريخ الطبري ، ج ٣ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩.
(٢) أخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٩ ص ٤٧٢ ـ ٤٧٣ عن عكرمة. وانظر الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٤.