وقد ألّف المؤلّف كتابه هذا في التفسير بعد كتاب له في الحديث ذكره ابن الجزريّ وآخرون باسم «الجامع» (١) ، ولم يذكره ابن سلّام بهذا العنوان ، ولكنّه يشير إليه أحيانا إثر تفسيره لبعض آيات الأحكام فيقول مثلا : «وقد ذكرنا ذلك في أحاديث الزكاة» (٢).
أمّا كتابه «التصاريف» ، وهو كتاب في علم الأشباه والنظائر ، فلم أعثر على ذكر له أو إشارة إليه في كامل التفسير. وكأنّي به قد وضعه بعد تأليفه للتفسير. وممّا يقوّي هذا الظنّ عندي ويرجّحه هو أنّ أغلب الوجوه المختلفة التي صرف إليها اللفظ القرآنيّ في كتاب «التصاريف» موجودة فعلا في كتاب التفسير ، إمّا بنصّها وعبارتها أو بمعناها. فكأنّ كتاب «التصاريف» زبدة استخرجها المؤلّف من تفسيره وتناول بها جانبا من جوانب التفسير فأفرده بمؤلّف خاصّ.
هكذا وصل إلينا تفسير ابن سلّام ، وهو يمثّل بمنهجه ومحتواه صورة حيّة لطور من أطوار التفسير في مراحله الأولى ، أى في القرن الثاني الهجري.
وقبل أن أعود إلى الحديث عن تفسير الشيخ الهوّاريّ لا بد أن أقول كلمة مختصرة عن تفسيرين آخرين لهما علاقة بتفسير ابن سلّام.
ـ الأوّل : تفسير عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن أبي المطرّف الأنصاريّ القنازعيّ القرطبيّ (٣). والمصادر التي ترجمت لأبي المطرّف عبد الرحمن القرطبيّ تذكر أنّه صنّف مختصر تفسير القرآن لابن سلّام ، ولكنّنا لا نجد في أى مصدر خبرا مفصّلا عن هذا الكتاب ، عن منهجه أو عن محتواه.
وأغلب الظنّ أنّ مخطوطات هذا المختصر غير معروفة ، ولعلّ الأيّام المقبلة تكشف عنه إن شاء الله. أمّا المؤلّف فقد ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة للهجرة ، ومات في رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. وكان ممّن روى عنه أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ، صاحب «الاستيعاب».
__________________
(١) ابن الجزري ، غاية النهاية في طبقات القرّاء ، ج ٢ ص ٣٧٣.
(٢) انظر مثلا تفسير الآية الثالثة من سورة البقرة في هذا الجزء ، وتفسير الآية الأخيرة من سورة الحجّ في الجزء الثالث.
(٣) أهمّ من ترجم له : ابن الجزري في طبقات القرّاء ، ج ١ ص ٣٨٠ ، ابن فرحون في الديباج ص ١٥٢ ، والداودي في طبقات المفسّرين ، ج ١ ص ٢٨٧.