قال : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) : وهذه مشيئة القدرة ، ولا يشاء أن يكشف عنهم عند نزول العذاب. (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (٤١) بالله من هذه الأوثان. وقال بعضهم : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) أى : إذا أصابكم الضرّ في الدنيا.
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢) : والبأساء البؤس ، وهي الشدائد من الجدوبة وشدّة المعاش. والضرّاء هي الأذى من الأمراض والأوجاع.
قوله : (فَلَوْ لا) : أى فهلّا (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) : أى إنّهم لم يتضرّعوا (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) : أى غلظت قلوبهم فلم يؤمنوا. وهذا الذي كان يصيب الأمم من البأساء والضرّاء إنّما هو شيء يبتليهم الله به قبل العذاب لعلّهم يؤمنون ، فإذا لم يؤمنوا أهلكهم الله. قال : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣).
قال : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) : أى ما وعظوا به ، أى تركوا ما جاءتهم به الرسل. وفي قول الحسن : أعرضوا عمّا جاءت به الرسل. (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) : أى من الرزق. وقال مجاهد : أبواب كلّ شيء من رخاء الدنيا. (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) : أى بالعذاب فجأة. وقال مجاهد : فجأة آمنين وهم لا يشعرون. (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤) : أى يئسون (١).
وقال بعضهم : (ما ذُكِّرُوا بِهِ) من أمر الله (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أى بغت القوم أمر الله. وقلّ ما أخذ الله قوما قطّ إلّا عند سلوتهم وغبطتهم. قال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) : أى القوم الذين أشركوا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥).
وهي مثل الآية التي في الأعراف : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ) أى القحط (الْحَسَنَةَ) أى الرخاء (حَتَّى عَفَوْا) أى حتّى كثروا (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) فلم يكن شيء. قال الله :
__________________
(١) في ع وز : «يئسون» ، وفي د : «آيسون». وفي معاني القرآن للفرّاء ، ج ١ ص ٣٣٥ : «المبلس : اليائس المنقطع رجاؤه». وفي مجاز أبي عبيدة ، ج ١ ص ١٩٢ : «المبلس : الحزين الدائم ... وإبلاس أى : اكتئاب وكسوف وحزن». وأيس لغة في يئس ، ومصدر هما واحد : اليأس. انظر : اللسان (أيس ويئس).