قوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ) [أي ملك] (١) (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٧٥).
قال بعضهم : ذكر لنا أن إبراهيم فرّ به من جبّار مترف (٢) ، فجعل في سرب وجعل رزقه في أطراف أصابعه ، فجعل لا يمصّ إصبعا من أصابعه إلّا وجد فيه رزقا. لأنّه لّما خرج من ذلك السرب أراه الله ملكوت السماوات ؛ أراه شمسا وقمرا ونجوما وغيوما وخلقا عظيما ، وأراه ملكوت الأرض ؛ فأراه جبالا وبحارا وأنهارا وأشجارا ومن كلّ الدوابّ وخلقا عظيما.
وقال مجاهد : (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى : آيات السماوات والأرض.
وقال الكلبيّ : بلغنا أنّ إبراهيم ولد في زمان النمرود (٣) الجبّار ، وأنّه كان مع نمرود كهنة يخبرونه أنّه يولد في هذه السنة غلام يفسد آلهة أهل الأرض ويدعو إلى غير دينهم ، ويكون هلاك أهل بيته على يده. فقال النمروذ : فإنّ دواء هذا هيّن : أن نعزل النساء عن الرجال ، وننظر كلّ حبلى ، فإذا ولدت غلاما قتل ، إلى أن تمضي السنة. قالوا : افعل ذلك ، وإلّا فهو الذي قلنا لك. ففعل النمرود ، فعزل الرجال عن النساء ، وجعل على كلّ عشرة (٤) وكيلا أمينا ؛ فكان أمين العشرة إذا طهرت امرأة رجل منهم حال بينه وبينها ، فإذا حاضت تركها إلى أهلها حتّى تطهر. فرجع أبو إبراهيم إلى أهله فوجد امرأته قد طهرت ، فواقعها فحملت. فقال الكهّان : إنّ الغلام قد حمل به الليلة. قال : فانظروا إلى كلّ امرأة قد استبان حملها فخلّوا سبيلها ، وانظروا اللائي يبقين ، وكلّما ولدت امرأة غلاما فاقتلوه. فلمّا دنا ولاد (٥) إبراهيم ، وأخذ أمّه المخاض ، خرجت هاربة فوضعته في نهر يابس ، وألقته في حفرة تحت حلفاء. ثمّ رجعت إلى زوجها فأخبرته أنّها ولدت غلاما ، وأنّه
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٩٦.
(٢) في ع : «جبّار مشرك» ، وفي د : «من جنان مشرف» ، وكلاهما خطأ صوابه ما أثبتّه من تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٤٧٤ ، ومن الدرّ المنثور ، ج ٣ ص ٢٥.
(٣) ورد اسم نمرود بالدال المهملة وبالذال المعجمة معا ، وبأداة التعريف وبدونها ، وهو اسم ملك ملك المشرق والمغرب ، ونسبه الطبري في تاريخه ، ج ١ ص ٢٠٧ وقال : هو «نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح» عليهالسلام. وهو صاحب بابل وصاحب إبراهيم خليل الرحمن.
(٤) كذا في د : «عشرة» وفي ع : «على كل عشيرة».
(٥) كذا «ولاد» ، وهو مصدر ولد ، فصيح في العربيّة. يقال : حان ولاد المرأة ، ومعناه هنا : حان وضع أمّه إيّاه.