العبد لا يخلق باتفاق أو للرب فيحتاج إلى كسب ، ثم القول فيه كالقول في الكسب الأول ؛ ويتسلسل ، وإنه محال.
وهذا مما يصعب موقعه على الكسبية ويتعذر عليهم التخلص منه.
قف على حجة أهل السّنّة : احتج الكسبية بوجهين :
أحدهما : أن القول بالقدر يقتضي الشرك ، والقول بالجبر يقتضي الجور أو سقوط التكليف وانقطاع حجة الله ـ عزوجل ـ عن خلقه ، والكل محال. فسلكنا طريق الكسب تخلصا من ذلك.
الوجه الثاني : أنا وجدنا القرآن تارة يضيف أفعال الخلق إليهم ، وتارة إلى الله ـ عزوجل ـ فقلنا بذلك ، وأضفناها إليه خلقا وإليهم كسبا ؛ جمعا بين الأدلة.
الجواب : أن هذا إقناعي اجتهادي ، وما ذكرناه قاطع عقلي ؛ فلا يعارضه ما ذكرتم.
لكنهم قالوا : إنا نرى الإنسان مؤثرا في أفعاله بالجملة عيانا ، لكن قام الدليل على أن تأثيره ليس بتام بحيث يكون خالقا ؛ فبقي أن يكون تأثيرا غير تام ، ونحن سمينا ذلك كسبا ، والقول بأن لا تأثير له في أفعاله بالكلية بهتان ومعاندة للعيان.
وهذا من الكسبية قوي ؛ لاستنادهم فيه إلى ظاهر العيان ، إلا أن جواب المجبرة عن هذا أنه إن صح لكم الاستدلال بظاهر العيان على أن تأثير الإنسان في فعله غير تام ، بحيث يكون كسبا ، صح للمعتزلة الاستدلال بظاهر العيان / [٥ ب / م] على تمام تأثيره ، بحيث يكون خلقا ، بل العيان معهم أقوى ، وهم به أسعد وأحظى.
وأيضا لو كان [له] فيه نوع تأثير لكان له فيه بقسط ذلك من الاختراع ، وصار ذلك قولا بمقدور بين قادرين ، وأنتم لا تقولون بذلك ؛ وحينئذ يسقط ما استندتم إليه من العيان ، ويبقى ما ذكرته المجبرة من واضح البرهان.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن آيات الجبر في القرآن / [١٠ / ل] العزيز أكثر من آيات القدر ، فنحن إذا مررنا بآية من ذلك في أثناء هذا التعليق فإن كانت صريحة في بابها لا تقبل التأويل ، فليس لها إلا المعارضة إن وجد لها معارض.
وإن تطرق التأويل إليها] بينا كيف تقرير الدليل منها ، وكيف يتطرق التأويل إليها. وأنها في آخر الأمر لأي المذهبين ، وفي جانب أي الخصمين ، إن شاء الله ـ عزوجل.