أمّا مواعظ الإمام عليهالسلام فإنّها تجلو القلوب ، وتهذّب البصائر ، وتسمو بالإنسان إلى أسمى مراتب الكمال ، وكان لها التأثير البالغ في نفوس العارفين والمتّقين ، كان منهم همّام ، وهو من خيار أصحاب الإمام في عبادته وتقواه ، فقد طلب من الإمام أن يصف له المتّقين والصالحين ، فتثاقل من إجابته لعلمه بما تتركه في دخائل نفسه من أثر قد يقضي عليه ، وكرّر همام الطلب فاستجاب له الإمام فوصفهم بأبلغ وصف وأروع بيان ، وحكى له واقع عبادتهم وطاعتهم لله تعالى ، فأثر خطاب الإمام في نفس همّام ، وشهق شهقة وتوفّي ، وهكذا كانت مواعظ الإمام بلسما لقلوب المتّقين والمنيبين ، ونحن نسجّل بعض مواعظه :
حال الإنسان في الدنيا
وصف الإمام عليهالسلام وصفا دقيقا وملمّا لحياة الإنسان في الدنيا ، قال عليهالسلام :
إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتصل فيه المنايا ، ونهب للمصائب ، ومع كلّ جرعة شرق. وفي كلّ أكلة غصص. ولا ينال العبد فيها نعمة إلاّ بفراق اخرى ، ولا يستقبل يوما من عمره إلاّ بهدم آخر من أجله. فنحن أعوان الحتوف ، وأنفسنا تسوقنا إلى الفناء ؛ فمن أين نرجو البقاء وهذا اللّيل والنّهار لم يرفعا من شيء شرفا إلاّ أسرعا الكرّة في هدم ما بنيا ، وتفريق ما جمعا؟! فاطلبوا الخير وأهله ، واعلموا أنّ خيرا من الخير معطيه ،