وإنّ قادما يقدم بالفوز أو الشّقوة لمستحقّ لأفضل العدّة. فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ، ما تحرزون به أنفسكم غدا ، فاتّقى عبد ربّه ، نصح نفسه ، وقدّم توبته ، وغلب شهوته ، فإنّ أجله مستور عنه ، وأمله خادع له ، والشّيطان موكّل به ، يزيّن له المعصية ليركبها ، ويمنّيه التّوبة ليسوّفها (١) ، إذا هجمت منيّته عليه ، أغفل ما يكون عنها.
فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة ، وأن تؤدّيه أيّامه إلى الشّقوة ،! نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تبطره (٢) نعمة ، ولا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية ، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة » (٣).
وأنت ترى في هذه الكلمات من صنوف الوعظ والإرشاد ما لا نجده في كلام أي واعظ ، فقد حفلت بالدعوة إلى الإسراع إلى طاعة الله ، والاجتناب عن معاصيه والتبصّر بما يواجهه الإنسان في قبره من السؤال عن أعماله في دار الدنيا ، فإن كانت حسنة لاقى مصيره المشرق ، وإن كانت سيّئة عادت عليه بالعذاب والشقاء.
صفة الدنيا
وصف الإمام عليهالسلام الدنيا وصفا رائعا ودقيقا ، قال عليهالسلام :
ما أصف من دار أوّلها عناء! وآخرها فناء! في حلالها حساب ،
__________________
(١) يسوّفها : أي يؤجّلها.
(٢) تبطره : أي تطغيه.
(٣) نهج البلاغة ١ : ١٠٩ ـ ١١١.